الأب المربي


السؤال

  سيد الخفاجي إننا مسرورون لمخاطبتكم لما تتمتعون من فكر. ونود أن نطرح هنا بعض التساؤلات في مجال (الحرية في الإسلام)، ونرجو أن لا تسيء فهمنا وتعتقد إننا ننتقد الإسلام …. لكن نريد أن نفهم الدوافع والأسباب لظاهرة الرقيق في الإسلام والسؤال المطروح هو:

 1- الإسلام دين المساواة كما نعلم فلماذا كان المسلمون يتخذون من الجواري والعبيد في بيوتهم لخدمتهم، ولماذا كانوا يأسرون الأسرى ونساءهم بعد الحروب ويتخذون منهم جواري لتفريغ الفورات الجنسية؟ ولماذا أحل نكاح الجواري والسبايا والذي كان بدوره سوف يشجع البشر على استعباد الآخرين؟

  الإسلام لم يقدم حل جدي لظاهرة الرقيق والعبيد والغنائم الجنسية في حروبه المقدسة، وعندما ظهر الإسلام كان التمييز العرقي والطبقي والمظالم الاجتماعية، بمثابة منابع وروافد تغذي “نهر الرق” في كل يوم بالمزيد من الأرقّاء.

 2- لقد وجدنا الإسلام يحرم وبشكل فوري ومباشر الكثير من العادات التي كانت متأصلة في عمق المجتمع الجاهلي مثل الربا والميسر وحرمان المرأة من الميراث والتبني وبطلان زواج الرجل من زوجة متبنيه … بل لقد حسم وبشكل قاطع ونهائي مسألة خطيرة وهي الشرك، وكل ما يمت له بصلة.. فلماذا التدرج المزعوم في قضية تحريم الرق؟؟ لا شك أنه في الحرية لا توجد حلول وسط … فأما حرية أو رق، أما قضية التدرج في التحريم والمنع التي يثيرها الإسلاميون في كل مناسبة فلا نجد لها سندا تشريعيا حقيقيا إلا في قضية واحدة فقط هي تحريم الخمر (وان كنا لا ننظر إلى مسألة الخمر على أنها تدرج في التحريم قدر ما هي تخبط في حسم الموقف من الخمر) لكن الإسلاميين يطيب لهم أن يتحدثوا عن التدرج وكأنه قانون إسلامي في كل قضية يشعرون حيالها بالحرج كما يفعلون مع قضية الرق، فالإسلام لم يحرم الرق ولم يلغه ولا يوجد أي نص يشير إلى نية بإلغائه تدريجيا كما يقولون، ولا ندري من أين اخترعوا (نظام إلغاء الرق بشكل غير مباشر)!! فالتشجيع الأخلاقي على العتق وجعله كفارة لبعض المعاصي لا يُسمى (إلغاء للرق) وحتى إذا سلمنا جدلا بوجود سياسة لإلغاء الرق تدريجيا فلم نفهم مبررات هذا التدرج في قضية حاسمة ومصيرية وهي الحرية؟؟ وحرية الإنسان أعظم القيم في الوجود.

 3- والخلاصة … لقد حافظ الإسلام على نظام الرق الذي يجرد العبد من إنسانيته، فلا يستطيع العبد ان يتزوج إلا بأذن سيده، ولسيده أن يطلقه إذا شاء، وللسيد أن يطأ أمته بل ويحللها لغيره إذا شاء!! ولا تُقبل شهادة العبد، ولا يقام حد القذف على من أتهم عبدا بالزنا، ولا يُطبق مبدأ القصاص إذا كان المجني عليه عبداً، وحد الزنا على الأمة هو نصف حد الزنا على الحرة، ودية الحر تختلف عن دية العبد (راجع الأحكام الخاصة بالعبيد في كتب الفقه لتجد أن الفقه الإسلامي العادل يميز في كل شيء بين العبد والحر.. بل لقد وصل التمييز إلى العبادة أيضا! اذ لا يجب الحج ولا الجهاد ولا صلاة الجمعة على العبد وذلك كي لا يُشغل عن خدمة سيده!!) تحياتي شيخنا في تحملكم تلك الكلمات لكن تشهد القيم الإنسانية والعبادية التي نحملها انها من اجل البحث العلمي والتاريخي.

الرد

الشيخ منتظر الخفاجي

حياك الله تعالى

 1- كما تعلم أنه لا يوجد دين سماوي نادى بإزالة الرقّية، بل أنها كانت من مُسلّمات المجتمعات المتدينة وغير المتدينة. إذن هو مأخذ يؤخذ على العقل البشري وليس على الشرائع بما أن الشرائع تأخذ مستوى العقل الجمعي بعين الاعتبار.

 2- إن عمل الديانات الجوهري هو الارتقاء بالمستوى العقلي للمجتمع، والذي يتفرع منه اكتساب مفاهيم جديدة وسقوط مفاهيم أخرى، تارة بصورة مباشرة للمفاهيم والقيم التي وصل العقل الجمعي إلى مستوى من مستويات تفهم إسقاطها، وذلك عن طريق الخطاب بأي مرتبة من مراتب الخطاب -أعني الوجوب أو الاستحباب أو غيره- وتارة بصورة غير مباشرة، وذلك لا عن طريق الخطاب والأمر وإنما عن طريق الرقُيّ عن مستوى ما يُسقط به ملازمات ذلك المستوى، ويجعلها مستنكرة لصاحب هذا المستوى العقلي. فكانت الخطوة الأساس لكل ديانة هي تثبيت تلك الديانة والتي غالباً ما يلازمها –أعني هذه الخطوة- بعض التضحيات والتي ربما منها بقاء الرقية. ثم المفروض أن بعد الثبات يبدأ طرح المفاهيم الأوسع التي تناسب المستوى العقلي في تلك المرحلة. وإلا فإن طرح أي مفهوم مع اليقين أو الظن الراجح بعدم تقبل المجتمع لذلك المفهوم يُعدُّ بُعداً عن الحكمة. فكانت مسألة سقوط الرقية هي من نتائج تطور العقل البشري. فربما لم تكن من عمل الأديان بصورة مباشرة أو بصورة كاملة وإنما بصورة تأسيسية من خلال بعض المفردات، من قبيل ما طرح الإسلام لبعض المفاهيم التي تنظم حياة الرقيق وترفع شيئاَ ولو يسيراً من مستوى الرقيق اجتماعياً، فلو نظرنا إلى الرقيق قبل الإسلام لرأينا العبد يقتل لأتفه الأسباب ويمنع من ممارسة الكثير من أعمال الأحرار بل لا يحق له أن يجلس في مجالسهم، أما لو نظرنا لأحوالهم بعد الإسلام لرأينا الكثير من علماء وعظماء الإسلام هم من العبيد، حتى أصبح سادات الأحرار يأخذون معالم دينهم من العبيد، وهذا يُعد انجازاً في مجتمع يرى العبد بمستوى الحيوان، بل يستنكف أحدهم أن يسير بجانب عبده.

 3- إن أسلوب التدرج هو من الأساليب العقلية والنفسية التي ثبت نجاحها في كل العصور وعلى كل الأصعدة، في الوقت الذي أثبتت الأساليب الدفعية فشلها في كثير من الموارد، ولولا أسلوب التدرج لما تعلم الطفل الكلام، والمجتمع لا يختلف عن الطفل من هذه الجهة.

 4- ثم أننا نجهل عمق هذه المسألة في المجتمع العربي أو الإنساني عامة آنذاك، فلا ندري ما المساحة المتاحة للمُشرّع في ذلك الحين. ولكم جزيل شكري




 

جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق