السؤال الثالث: لماذا قال: (وإذا مَرِضْتُ فَهْوَ يَشْفِينِ) [الشعراء : 80].
ولم يقُل {هو الذي يُمرضني ويشفين} كما قال قبلَها: (والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ) [الشعراء : 79] ولحقها بقوله: (والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) [الشعراء : 81]؟.

   وجواب ذلك:

   قال بعض أهل التفسير {إن إبراهيم عليه السلام لم يقُل ذلك تأدباً مع الله تعالى}، ومعنى قولهم أنه لم يشأ أن ينسب المكروه لله تعالى؛ بما أننا نعتبر المرض مكروهاً وسيئاً. وهذا القول تَرِدُ عليه عدة إشكالات:

   أولها: أن الله تعالى هو من صرّح أنه هو الضار والنافع فما يأتي من ضُرٍ فهو من عند الله بإقرار الله تعالى نفسه.

   ثانيها: ليس هناك ما يدعو لحفظ الادب خاصة لمن هو في مقام إبراهيم، وهو يعلم ان المرض من عند الله تعالى، وان نسبة الامراض لله ليس تعدياً ولا تجرؤاً على مقام الله تعالى.

  ثالثها: لا يوجد دليل يدل على أن المرض هو ضُرٌ خالص او شرٌ كما يَحسبَه أغلب الناس؟ والروايات تضج بعطاء الامراض وما تسببه من رحمة كبرى للعباد، فقد استفاضت الاخبار من ان المرض يُسقط الذنوب ويُطهر القلوب ويُقرب من علّام الغيوب، ومن المعلوم ان المرض من ملازمات المؤمن الصادق كما ورد في الكثير من الأحاديث.

   ومن هو بمقام إبراهيم يُدرك ذلك مؤكداً، فلماذا يرى ان المرض شرٌ محضٌ كما يدعي أصحاب هذا الرأي؟!. 

   رابعها: من المُسَلّم عند كل المسلمين؛ بل وكل أهل التوحيد ان إبراهيم -عليه السلام- بلَغ من مراتب القرب والكمال والمعرفة؛ ما أَهَلَه ليكون خليل الرحمن ومن أولي العزم من الرسل، ومن كان هذا نصيبه من القرب والمعرفة فمِن المُحال أن لا يَنسِب فعل الله لله، فإن فيه ظلمٌ صريحٌ لله تعالى، وهذا ما نَجلُّ عنه إبراهيم عليه السلام. فقوله (وإذا مَرِضْتُ) لا ينسب فيه المرض لنفسه أو الى مخلوقٍ آخر؛ لأن ذلك ينفي نسبة الفعل لغير فاعله. لذلك فهذا الرأي ساقطٌ بالكُليّة.

   وقال بعض أهل العلم {ان عدم نسبة المرض لله تعالى من قِبَلِ إبراهيم لأنه -عليه السلام- كان في موطن تِعداد نِعَم الله وصفاته للكافرين؛ وبما أن الناس تعتبر المرض شراً؛ فلم ينسب المرض لله تعالى مراعاةً لمستوى المُخاطَبين} وهذا الرأي مقبول الى حدٍ كبير. فإن إبراهيم (ع) كان في موضع الرشد والوعظ لذلك ينبغي ان يُكلِم المُستَمعين على قَدرِ عقولهم، وبما أنه كان في موضع بيان نِعَم الله وعظيم قدرته؛ فقد سكت عن النعم التي لا يُناسب ذكرها مستوى المُخاطَب، وهذا هو من ضمن صلاحيات النبي أو المرسل عموماً، إذ ينبغي أن يُوصِل رسالته على أبلغ الوجوه.

والله تعالى هو العالم بحقيقة إرادته.


منتظر الخفاجي



جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق