قال جلَّ ذكره: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)77 القصص.
قد يُفهم من الآية أن الحق تبارك وتعالى قد أعطاك من فضله وأنعم عليك من نعمه ظاهرة وباطنة، فينبغي عليك أن تُنعم بشيء من ذلك العطاء على الخلق سواء أكان ذلك العطاء مادياً أو معنوياً، وهذا هو الفهم الاولي للآية. نعم هذه المرتبة من الفهم حوتها الآية وهي مطلوبة من أصحاب هذا المستوى الادراكي، لكن الآية توحي بأكثر من هذا الفهم ومنه، أن الاحسان الحق يكون باتخاذ الطريقة أو الأسلوب الالهي الذي رسمه الله تعالى لصورة الإحسان الكاملة، فليس كل احسان بصورته هو احسان بواقعه.
فعندما يحدد لنا الصورة التي تطابق مراده للإحسان ويقول: (كما أحسن الله اليك) أي بنفس القيم المعنوية للإحسان، بنفس طهارة الباطن حين الاحسان، بعدم انتظار الجزاء ممن تُحسن اليه، بعدم تغير الحال حينما تخالف ردة فعله ما كنت تتوقعه، بغض النظر عن مورد احسانك اليه أين يضعه؟ وكيف يتصرف به؟ بنية التشبه والتقرب من المحسن المطلق جل جلاله وليس رغبة بالجزاء الدنيوي أو الأخروي؛ فإن فهمنا كلامه تقدس اسمه على هذا المستوى صغرت في أعيننا القيمة المادية للإحسان وفُتحت لنا آفاق عليا للتدرج في مراتب الاحسان والذي هو أعلى من العدل.
هذه الآية المباركة هي باب بحد ذاتها لمن أراد بلوغ رتبة المحسنين والولوج لعالم الصفات الالهية.
وإن نظرنا الى جهة أخرى من جهات الآية فسنرى قوله تقدس رضاه: (أحسن) وهو فعل أمر، أي أن الله تعالى يأمرني بأن أحسن الى الغير، لكن السؤال هنا هو… لماذا أحسن؟ والاحسان هو الإنعام كما قلنا، والإنعام هو عمل المنعم المطلق، فهو تكليف الله تعالى وليس تكليفي؟.
جواب ذلك: بما أنك خليفة المنعم المطلق فيجب أن تشابهه وتتصف بصفاته على ما تسمح به قابلياتك ويتناسب ومرتبتك، وتقوم بأعماله التي يوجبها مقام الخلافة عليك، ومن ذلك الاحسان والعدل والمغفرة وغيره من الصفات وما يتولد عنها من أفعال وأقوال.
وحين النظر الى جهة ثالثة من الآية نجد في قوله تقدس رضاه: (كما) فحينما جاء بالكاف (ك…ما) والذي هو حرف يفيد التشبيه فإن ذلك يستدعي الوقوف على أفعاله واحسانه وإلا تعذر التشبه، أي أن هنالك دعوة الى رؤية مواطن الاحسان الالهي الخاص؛ والا فكيف أحقق التماثل والتشابه للإحسان ان لم أرى احسانه تجاهي؟ حينئذٍ يجب أن أقف على موارد الاحسان الالهي الخاص، أي إنعام الله عليّ واحسانه اليّ أو قد أتوسع لرؤية الاحسان العام والذي يتطلب تتبع الايادي الالهية في الخلق أو البشرية على وجه الخصوص؛ حينها فقط سيكون بمقدوري تحقيق (كما) أي المشابهة والتأسي والاقتداء بالحق جل ذكره في قضية الاحسان على وجه الخصوص.
وله الحمد وحده
منتظر الخفاجي
النجف الأشرف
تعليقات: 0
إرسال تعليق