أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدي محمد وآله الطاهرين

الإنسان

   هنالك سؤال قد يعرض للبعض ، وهو …ما هو الإنسان ؟ ما هو واقع الانسان؟ هل هو الحيوان الناطق كما عرفه أصحاب المعقول، أي الحي المفكر؟ أم هو مجموع الصفات والقدرات الكامنة في هذا الموجود ؟ أو هو مجموع الصفات والقدرات المفعّلة والتي ظهرت بآثارها الى الخارج ؟.

   إن قلنا أن الانسان هو الحيوان الناطق ، أي الذي امتاز عن بقية الأحياء بوجود القوة الناطقية لدية ، وبهذه الناطقية استحق أن يكون أعلى المخلوقات رتبة ، فقد نكون تسامحنا في تعريفه ، لأن الأفضلية ليست بالملكات بما هي ملكات ، وإنما ما يصدر من تلك الملكات ، فالغني البخيل مثلاً ليس غنياً واقعا وإن كان غيناً ظاهراً، وذلك لعدم تفعيل صفة الغنى وإظهارها الى أرض التطبيق بحيث يؤثر فعلها على صاحبها وربما على غيره . فمن كان صاحب عقل بأصل خلقته لكنه لا يعمل بذلك العقل ولا يولد من آثاراً على أرض المعقولات أو المحسوسات ، فمن التسامح أن يسمى عاقلاً ، لأنه عند التحقيق لا نرى فرق بين هذا العاقل وغير العاقل ، لذلك ترى الأخبار والروايات عندما تصف العاقل أو تعرفه ،فإنها تعرفه بما يصدر منه من أفعال ، من قبيل قول الإمام أمير المؤمنين (ع) (العاقل إذا عَلِم عمل وإذا عمل أخلص)او قولهِ : (العاقل لا يحدّثُ من يخافُ تكذيبَهُ) . وعليه لو تجرد الإنسان عن عقله حيناً ما هل نستطيع أن نسميه حيوان ناطق في ذلك الحين ؟ لا أعتقد أننا نستطيع ، نعم نسميه قد حيوان لكن بدون ناطق !.كذلك ورد في الحديث المشهور : (لما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ) أي أنه سبحانه اختبره في مجال التطبيق العملي والأثر الفعلي ، وهو تفعيل قابلية الإقبال على جهة حضرة الحق سبحانه ، على جهة السمو والارتفاع ، وكذلك قابلية الإدبار عنها الى جهة الخلق وهي قابلية النزول الفعلي الى مراتب الخلق.

   وعلى هذا يكون الإنسان هو عبارة عن مجموع الملكات والصفات المطبقة فعلاً في أرض الواقع ، وعلى تطبيق وتفعيل تلك الصفات كماً وكيفاً يكون تفاوت بني الإنسان في إنسانيتهم . وليس فقط صفة النطق ، لأن مجموع الصفات هي الإنسان وليس الصفة الأوضح هي الانسان .

   والحق سبحانه عندما ركب الإنسان من صورة هذه الصفات -والتي قسمناها الى صفات خير وصفات شر – أراد من الإنسان أن يجني ثمار هذه الصفات من خلال إنزالها مرتبة الأفعال ، حيث احتياجنا لهذه الصفات لما يتولد منها وينتج عنها ، والتي كانت جامعة لأسباب وصول الفرد الى منبع إنسانيته وهي صورة التقويم الأحسن . وعليه يكون عدم تفعيل أي صفة من الصفات هو عائق ومانع من وصوله إلى غايته ، فليس من صفات زائدة في تركيب الانسان بحيث يستطيع أن يستغني عنها .

   وقد يُشكِل مستشكل ويقول : أليس في تطبيق تلك الصفات ما يجلب الضرر للإنسان وخاصة أن بعض صفات الإنسان تبعده عن إنسانيته ، مثل الغضب والبخل والشهوة وحب الدنيا وغيرها؟.

   أقول : هذا من اللبس الذي وقع به ربما حتى بعض علماء الأخلاق، اللبس بين الصفة وتطبيق الصفة ، ليس الشرور من الصفات نفسها وإنما الشرور والأضرار في التطبيق الخاطئ لتلك الصفات، الغضب يكون مضراً إن كان في موارد التعدي والظلم ، لكنه إن كان في سبيل رفع الظلم أو كان من أجل نصرة الحق ، فليس من الشرور . البخل في كثير من الموارد يكون هو عين العطاء ، فعندما تبخل على شخص بعطائك لأنك ترى هذا العطاء سيوقعه في المفاسد فقد أكرمته بالأعلى ومنعته من الأدنى، وهذا الحكمة في الصفات ، حب الدنيا نابع من حب الخير الذي فطر عليه الإنسان، لكن قصر نظره وسوء تقديره جعله يرى الخير في الدنيا وليس في سواها . لم يُوجِد الله تبارك وتعالى صفة في الإنسان أو الحيوان أو أي مخلوق هي صفة شرٍ محضة ، لكن كما قلنا إن المتصرف وهو الإنسان يستعمل ويستخرج من الصفات تارةً أفعال خير وأخرى أفعال شر .

   وعلى أساس ذلك ، المفروض على الإنسان كإنسان أن يُفعّل كامل إنسانيته من خلال العمل بجميع صفاته ، وليس فقط الصفات التي يجبر على العمل بها عن طريق البلاء أو المصائب أو التمحيص، وكذلك أن يكون استخدامه لهذه الصفات بتوليد الأفعال الصحيحة منها ، ومنعها من توليد الأفعال السيئة ، فمثلاً صفة الرأفة ، وهي من الصفات التي لها تطبيقات كثيرة وظاهرها الخير فليس من الصحيح أن يطبقها في كل مورد يتطلب الرأفة ، لأن هنالك موارد إن طبقت هذه الصفة جلبت الشرور وأوقعت المفاسد على صاحبها أو المجتمع ، ومن ذلك قوله تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} فإن تفعيل هذه الصفة وفسح المجال لتولد أفعالها في هكذا موارد يكون من التطبيق الخاطئ لهذه الصفة.

   فعلى الفرد أن يبصر هذه الصفات في نفسه ثم يعمل بحق دواعيها، وأن يحاول تحصينها من صدور أفعال تخالف الموازين التي وضعها لنا الحق تعالى عن طريق الشرع والعقل .

   أما أن الإنسان يعيش بعض الصفات أعني التي تتماشى مع واقعه المادي ويهمل بقية خزائنه ، وربما يموت وهو لا يعلم ما استودع الله تعالى فيه من صفات ، فإن ذلك هدر لطاقة الإنسان وتضييع لهبة الرحمن .

    فليس من الصواب أن ينتظر الإنسان الظروف لكي تُظهر ما فيه من مكامن ، بل يجب أن يصنع الظروف لكي يُظهر إنسانيته ويتمتع بكامل قواه ، عند ذلك يكون حقاً إنسان.

 

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين

منتظر الخفاجي



جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق