ذهبتُ مع صديقٍ لي إلى الطبيب، وحينما كنا جلوساً في غرفة الانتظار خرج من غرفة الطبيب رجل في الثلاثين من عمره وهو يتألم بشدة ويتنفس بصعوبة وكان ظاهرٌ عليه أن المرض قد أعياه وأخذ منه كل مأخذ حتى أبلى جسده الذي لا يقوَ على حمله فكان يسندهُ رجلان يحملُ احدهما كيساً مملوءاً بأنواع العلاجات، وبعد خروجنا من الطبيب توجهنا إلى عيادة التمريض –المضمد- لكي نزرق الإبرة التي كتبها الطبيبُ لصديقي، فوجدنا هنالك هذا الرجل المريض مستلقٍ أمامنا على سرير التمريض وقد ركّب له المُمرض جهازَ إعطاءٍ لعلاجٍ عن طريق الوريد لا أعلمُ ما هو…. فجلستُ على كرسيٍ كان موجوداً بقرب السرير أنتظر صديقي لينتهي من زرق إبرته، إلا أن بالي وتركيزي كان عند هذا الشخص، أُفكرُ بما يحملهُ من آلامٍ ومعاناةٍ، طبعاً دون أن أنظر إليه -حفظاً للأدب- وفي هذه الأثناء صدرت من هذا المريض كلمةٌ أثارت دهشتي لأنها خرجت من قلبه لا من لسانه! حيث قال نصاً: ( ربي شكراً إلك على هذا المرض!) فعجباً كُلَ العجب!! نحن اعتدنا أن نرى من الناس في هكذا أحوال صوراً من الجزعِ والإعتراض، ونسمعُ منهم ذلك الدعاء العريض، والتوسل بكل ما يَصلح وما لا يَصلح التوسلَ بهِ طلباً للشفاء! وأما “الشكرُ برضا وليس برجاء زوال المرض!“ فهذا هو “الشكرُ الحقيقي“، وهو نادرٌ وغريبُ الحصول في هكذا موطنٍ. عندها، التفتُ إلى الجهة الأخرى وتساءلتُ: كيف سيستقبِلُ اللهُ عز وجل هذه الكلمة التي صَدرت من هذا الرجل في أشدِ الظروفِ؟ حيث (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)؟ ماذا سيكون رد الله عز وجل على هذا الرجل؟ ومن أي مرتبةٍ من مراتب صفاتهِ سيَصدِرُ هذا الرد؟ وإذا بصاحبي يَطِلُ من وراء ذلك الستار وهو يقول: (صغيرةٌ وقليلةٌ لكنّ أثرها كبيرٌ وفاعليتها شاملة) فقلت له: عمَّ تتحدث يا صاح؟ قال: عن الإبرة! فقلت له: نعم…. صحيح…

(الإبرةُ…ومَن غيرُ الإبرةِ ؟؟!!!).


منتظر الخفاجي



جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق