ورَدَ عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام مخاطباً ربه عز وجل، أنه قال: (لَم تَمنَعكَ إساءَتي عَن إتمامِ إحسانِكَ)1
وتصوير ذلك: ان الله تعالى يُحسن اليك بعطاءٍ، وأثناء إحسانه، قد تصدرُ مِنك إساءة تجاه الله تعالى إما بالتعدي على حدٍ من حدوده أو بالتجاوز عليه أو مخالفة نواهيه، والله تعالى يرى ذلك منك، فلا يقطع عنك ذلك الاحسان ولا يُوقِف ذلك العطاء!! هو لا يقول لملائكته أقطعوا عنه العطاء فإن هذا العبد لا يستحق الاحسان، بل يستمر بإكمال احسانه!! وهذا واقعاً من أعلى واشرف درجات التعامل الأخلاقي.
فبيَّن لنا الإمام زين العابدين من ذلك (( معرفة تعاملية )) قد لا نصل اليها لو خُلِينا وأنفسنا حتى بعد مئاتٍ من السنين !!.
وحيث ان الإمام أظهر هذه المعرفة في دعاءه فهي بذلك تكون معرفةً عامة وليست خاصة به أو بمن هو بمرتبته، أي انه كان يستهدف من إظهارها ايصالها الينا ويأمل منا العمل وفقها.
ونستطيع أن نستنتج عدة فوائد من هذه العبارة قد تكون مقصودة من قبل الإمام زين العابدين، أبرزها:
الفائدة الاولى: هي دفعنا نحو التقرب لله عز وجل من خلال الوقوف على جزئية من جزئيات واقع التعاملات الإلهية، فبما إن معرفتنا لله تعالى كموحدين هي (( معرفةٌ كُليّةٌ إجماليةٌ )) فإن هذه المعرفة تُنتِجُ إيماناً ساذجاً وتُحقِقُ توحيداً بسيطاً، أما لو تمكن الفرد من الولوج الى جزئيات الصفات والتعاملات الإلهية فأنه بلا شك سوف يتقدم ويتعمق خطوةً في مراحل إيمانه ومستويات توحيده، ومن خلال هذه الجزئيات سوف (نعرف) بعض الامور عن ذلك الاله العظيم الذي ننتسب إليه وبالتالي نُغير الكثير من الثوابت التي سبقت هذه (المعرفة الجديدة).
الفائدة الثانية: هي كشفٌ لخُلُقٍ تعاملي أراد منا الإمام ان نتخلق به ونتعامل به مع بقية خلق الله، فحينما يكشف الله تعالى لنا بعض صفاته أو تصرفاته مع المؤمنين أو الملائكة أو الفاسقين أو غيرهم من طبقات خَلقة، فأنه لا يبتغي من ذلك ابرازاً لنفسه أو تعظيماً لذاته جل جلاله، وإنما يريد منا ان نحذوا حذوه في التعامل مع عباده، ونتخلق بأخلاقه، ونقتفي آثار افعاله، فقد روي عن الرسول الاعظم انه قال: (تخلقوا بأخلاق الله)2 .وبما اننا خلفاء الله في ارضه وعلى كل مخلوقات عالم الدنيا، فمن الواجب ان يكون الخليفة صورة واضحة وكاشفة لمن استخلفه ودليلاً يدل عليه.
الفائدة الثالثة: الارتقاء بمستوى تعاملاتنا مع الله تعالى نفسه.
كعقلاء حينما يُكشف لنا ان التعاملات الالهية معنا بهذا المستوى -الذي بيّنه الإمام- وليس بالمستوى المُتَصوَر في العقل المُقيّد؛ حينها سنرتقي تلقائياً بمستوى تعاملنا مع الله تعالى، ويرتقي لدينا مستوى الاعجاب به والحياء منه، فمن يعاملك بهكذا تعامل وهكذا أدب وإيثار حريٌ بك ان تستحي منه وترتفع بأساليب تعاملاتك معه، فحينما يقول الحق لنا بلسان نبيه :(ان الله يستحي من ذي الشيبة المسلم ان يعذبه بالنار)3 أو بلفظٍ آخر ( إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الاسلام ثم أعذبهما )4 فالمفروض على ذي الشيبة ان يستحي من ربه!. وهكذا في كل طرق وأساليب تعاملات الحق معنا، فالله هو مرجعُنا ومنه نكتسب طرق التعامل معه سواء من خلال كتابه المجيد أو ألسن رسُله وأولياءه.
هذه بعض الفوائد التي حوتها هذه الفقرة من دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام -في دفع كيد الأعداء- وفيها ما هو أعمق من ذلك متروك للمتدبرين.
والحمد والتقديس لله وحده
منتظر الخفاجي
الهوامش
1- الصحيفة السجادية – الدعاء 49 – في دفع كيد الاعداء.
2- بحار الانوار – المجلسي -ج 58 – ص 129
3- مناقب الابرار ص2 ج2
4- بحار الانوار – المجلسي – ج 72 -ص137
تعليقات: 0
إرسال تعليق