يختلف الناس من ناحية السجايا والطباع، وكلٌ يتعامل على ما في داخله من طبايع وثوابت، البعض يكون طبعه التعامل بطيبة وبراءة مع الناس، وقد يوقعه هذا التعامل بمشاكل عديدة، منها استغلال الناس له أو اتهامه بالسذاجة والغباء، وقد يلومه المحب والصديق على التعامل بطيبة وأخلاق مع مجتمع لا يُقدّر هذه الصفات، حينئذ سيكون أمام خيارين، إما ان يخلع ثوب الطيبة ويرتدي ثوب الناس ويعاملهم بنفس الطريقة والاسلوب، وإما ان يبقى على نفس صفاته ويتعامل وفق طبيعته.

    طبعاً مسالة تغيير طباعه والتلبس بطباعٍ جديدة أمر في غاية الصعوبة لمن كانت طباعه ذاتية، فحتى لو تمكن من التعامل بطباع الأخرين؛ فسيكون تمثيلا ليس إلا.

    الا في حالة الاستمرار عليها لفترة طويلة حينها ستتمكن منه وتكون أطباعاً راسخةً مكتسبة.
   المشكلة ليست هنا، وانما تكمن بين اختيار أحد الطريقين، فإن اختار الفرد تغيير طبيعته لتلائم طباع الافراد أو المجتمع الذي يتعامل معه فسوف يفقد قيماً واخلاقاً وصفاتاً يصعب اكتسابها الى حدٍ كبير، فطيبة القلب أو السخاء أو التسامح هي من السجايا العليا التي يصعب اكتسابها في عشرات السنين، وان فقدها الآن فربما يستحيل عليه استرجاعها. وطرف المشكلة الآخر هو أن بقاءه على هذه الطباع قد يؤذيه دنيوياً واجتماعياً بسبب ما ذكرناه سابقاً، وهنا تكمن الحيرة.

    قد يقول البعض إن بمقدور هذا الانسان أن يكون مزدوج الشخصية او مزدوج الطباع بحيث يتلبس بالطباع الدانية حين التعامل مع الناس ويجعل هذه الطباع عبارة عن ثوب يرتديه وقت العمل ثم حين انتهاء عمله يخلع هذا الثوب ويعود لثوبه الحقيقي، واقعاً هذا ممكن التحقق نظرياً، أما عمليا فلم أشهد نجاح هذه الطريقة نجاحاً تاماً في فترة وجودي بهذا العالم، وهذا ليس دليلاً على عدم نجاح هذه الطريقة، فإن عدم ايجادي لها لا يدل على عدم وجودها.

     لكن لو وجِهَ لي هذا السؤال: هل على المرء البقاء على الطباع الحميدة مع استغلال الناس له أو التجرد عنها؟ لقلت للسائل أبقى على طباعك وسجاياك وتحمل الأذى؛ وذلك لعدة أسباب منها:

     أولاً: ان تضحيتك من خلال ما تتحمله من أذى الناس مهما علت وكبُرت فهي أدنى من التضحية بصفة حميدة واحدة.

   ثانياً: ان النظام التصاعدي الذي يُسيّر عالم الدنيا متجهاً صعوداً نحو هذه الصفات، فالشخص المتدني ان بلغ غاية التدني لابد له من رحلة الرجوع والصعود والمرور بتلك الصفات العليا، حيث يستحيل عليه ايجاد غاية محركهِ في عالم النزول.

    ثالثاً: ان نظرنا من زاوية إيمانية، فإن الصفات والطباع الحميدة هي الأقرب للصفات الإلهية، وهي الصفات المحمودة عند الله تعالى ولها ثقل كبير في ميزان الاعتبار الإلهي.

    رابعا: لا اعتقد ان هنالك مصالح مهمة بل حتى غير مهمة لا يمكن تحقيقها من خلال الصفات الحميدة حتى يضطر الانسان للتصرف وفق صفات أخرى، انما هذا وهم كبير وقع فيه أغلب الناس، فطيّبُ القلب يستطيع أن يحقق ما يحققه غيره وان اختلفت الطريقة او الأسلوب، وإن أضفنا الجانب المعنوي فإن التسديد او التيسير الإلهي أقرب للإنسان الطيب من غيره من الناس.

ولو لا تزيين النفس واندفاع العقل لبدّلَ الانسان أكثر صفاته.
 فكن كما أنت ولا تبع جواهرك بأوساخ غيرك.

منتظر الخفاجي



جديد قسم : مقالات