عـدم قبــول النصيحـــة



      في رحلة نزول المجتمع علِقتْ به بعض السلبيات الملازمة للنزول المرتبي الفردي أو الجمعي، ومن هذه السلبيات هي عدم قبول النصيحة، واعتقد ان أغلبنا لاحظ هذا الامر، فإلى زمنٍ قريب كان هناك طلب للنصيحة فضلاً عن احترامها إن صدرت من أي انسان، أما الآن فنلاحظ ان هناك استنكاف واستكبار عن تقبل النصح، وقد يشعر البعض بالإهانة او الانزعاج الداخلي حينما يقدم له شخص نصيحة ما، وخاصة ان كان يرى نفسه أفضل من الناصح.

     ومن المؤكد ان إهمال واغلاق باب النصح سيؤدي الى خسارة كبيرة، فالنُصحُ باب من أبواب تكميل الانسان من جهة معالجة النقص أو إضافة الكمال، وبالمعنى الباطني هو هدية من الحق سبحانه لتنبيه الشخص على فعلٍ خاطئ او نقص في شخصيته أو احتياج يجب أن يبادر لسدّه لكن ينقصه الدافع لذلك، فتكون النصيحة هي الدافع لسدِّ ذلك النقص. لذلك إن أغلقنا باب النصيحة نكون قد خسرنا أهم زاوية للنظر لأفعالنا وهي الزاوية التي ينظر منها المقابل لأفعالنا.

     ومن أبرز الأسباب التي تمنع الانسان عن تقبل النصح هي:

   أولا: التكبر: والذي يرى من خلاله الفرد انه أعلى وأفضل من الناصح.

   ثانيا: قد يفهم البعض ان الناصح يريد ان يثبت أفضليتهُ… وليس نصحهُ الا أسلوب لبيان ما يدعيه؛ لذلك ينبغي ان أردّهُ وأريه أنه أدنى مني ولا يحق له نصيحتي!.

   ثالثا: غالباً ما تكون النصائح مقيِّدة للرغبات والاهواء، لذلك تجد الفرد لا يصغي لناصحه بل قد ينزعج من نصيحته، والواقع ان الذي ينزعج هي النفس التي تحاول ان تُبعد العقل عن تقبل النصيحة لئلا تُقيَّد بمتطلبات النصيحة، أما بقية اركان الانسان فلن يصدر منها هكذا ردود فعل.

     ان النصيحة هي من الأبواب الإنسانية التي تسد نقصاً من نقائص المجتمع، وهي طريق لتناقل وتبادل التجارب والخبرات، ولها الكثير من الفوائد للفرد والمجتمع، نذكر منها:

   أولاً: ان النصح والاستشارة هي من أساليب تقوية الروابط الاجتماعية والتقريب بين الافراد.

   ثانياً: كما ان الانسان يحتاج الى مرآة لأجل تقييم صورته والوقوف على ما تحتاج اليه من تحسين او ترتيب، فكذلك يحتاج الى من يقيم صورة افعاله واقواله ويبين له مواطن الخلل والنقص فيها وهذا هو عمل الناصح؛ لان ما تراه انت من افعالك واعمالك غير ما يراه سواك، لهذا فأنت بحاجة الى الناصح والناقد باستمرار.

   ثالثاً: ان التقدم او التكامل يعتمد على وجود النقص والخطأ، فلا تقدم بدون وجود النقص ولا صواب بدون الخطأ، وعليه من ينظر الى افعاله على انها تامة يستحيل عليه ان يطورها ويرتقي بها، حيث لا مجال لتكميل الكامل، وطبعا أغلب الناس يرى افعاله كاملة ربما بسبب محبته لأفعاله او الزاوية التي ينظر منها، لكن الغير أو المقابل قد يختلف بزاوية النظر وأيضا يفتقد للتعلق او محبة افعالك كما تفعل انت؛ لذلك سيقيم افعالك بحيادية ومن الجهة المقابلة للفعل، لذا سيبصر النقص والخلل الموجود في فعلك ثم يُشخّص لك ذلك، وهذا ما يدفعك انت العاقل للارتقاء بفعلك من خلال سد ذلك النقص وإتمامه.

   رابعاً: النصيحة هي وجه من وجوه الاهتمام.

  نسأل: ما الذي يدفع الشخص لنصحك؟ والذي قد يتوقع منك إساءة الفهم أو صدور كلمة جارحة أو ردود فعل غير مناسبة، ورغم ذلك يُقدّم لك النصيحة؟ وبمقدوره ان يترك نصحك، ويقول لا دخل لي بغيري، هذا الدافع لا يخرج عن سببين:

   السبب الأول: هو فضيلة حب الخير للغير، فبعض الناس لديهم دافع حب الخير، وهذا الدافع هو محركهم للإحسان والمساعدة ومنها إسداء النصح للغير.

   السبب الثاني: هو اهتمام ذلك الناصح بك شخصياً، لمحبته لك او عطفه عليك او شعوره بحقك عليه، والذي كله يدل على الاهتمام بك، فحينما ينصحك بأي نصيحة حتى لو كانت خاطئة او واهمة او لا يعرف ما يخرج من فمه! لكن دافعه هو محبته لك وهذا يشفع له ولو كانت نصيحته خاطئة. فحينما نتجاوز صور الأفعال وننظر للدوافع فقد تقدمنا خطوة كبيرة بالاتجاه الصحيح، وعليه فإن صَدّكَ للناصح او انزعاجك منه هو قتل لذلك الاهتمام الذي في قلبه تجاهك.

     ان عدم استقبال النصائح ساهم في إبقائنا على ما نحن عليه، فقد يستمر أحدنا على الخطأ سنين دون ان يلتفت له.

    ان الاستخدام الخاطئ لمفهوم الحرية الشخصية وتعميم هذا المفهوم على ما لا يصلح أن يعمم عليه؛ جعل من تقبل النصح أمر مستصعب، فترى أحدنا يُقدِم على اهلاك نفسه وحينما تريد إنقاذه يصدّك بحجة (حريتي الشخصية!) .

    ان النصيحة التي تصدر من انسان حكيم قد يكون دفع أغلى ما يملك ثمناً لها، وربما لم يصل لها إلا بعد سلسلة من الفشل والخسائر، ثم يقدمها لنا على طبق من ذهب. 

    لذلك ينبغي على كل من يريد مصلحته وبناء شخصيته ان لا يستغني عن نصائح الغير ثم يزنها بعقله ويأخذ منها ما يناسب قناعته العقلية وليست النفسية، حينها سيكون قد أخذ سنين من عمر غيره.

منتظر الخفاجي


جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق