سماحة الاب المربي الشيخ منتظر الخفاجي



لعنة السلطة


   يجاهد ويكابد طالب السلطة؛ لأجل الوصول الى سلطته المنشودة، فيضحي براحته وهدوء باله وسكينة قلبه، ويتحمل المصاعب وأنواع البلايا وربما ضحى بماله وأهله، وقد يذبح ثوابته ومبادئه قرباناً لتلك السلطة، كل ذلك لأجل الحصول على غايته العظيمة في عينه.


   وحينما يصل الى السلطة ويجلس على دكتها، يبدأ بنوع جديد من التضحيات فيتسلق القلق والخوف ليتربع على كرسي قلبه، وتُسلب راحته تارة أخرى، فيبدأ ضغط الطامعين ومكائد الحاسدين، ويتحول ذلك القريب الوديع الى وحشٍ جائعٍ لا يشبع، وتبدأ سفن المنافقين بالإرساء على شواطئ سكونه فتقضها بالتسقيط والدعاية والتوهيم، فيتجرع كل تلك الالام لأجل المحافظة على سلطته.

    عجبا! ما الذي يدفعه الى هذا الكم الهائل من الألم؟.

    هو كان يبحث عن الراحة –والكل يبحث عنها- وتوهم أنها كائنة في السلطة، لكنه حين بلوغه السلطة لم يجدها، لم يجني منها على وجه الواقع الا ذلك الصوت الأصفر الصادر من لسانٍ متملقٍ مسموم، فلماذا يستمر في رحلة الألم، وهو يرى ويشعر ويعيش بالألم الذي سببته له هذه الغاية، وأن ليس فيها راحة بكل مراحلها؟.

    قد يقول العاقل المتجرد: ربما كان دافعه هو البحث عن الألم وليس الراحة كما يتوهم، فاستقر على بؤرة آلامهِ حين وجدها، وأخذ يدافع عن سبب آلامه، ويدفع كل من يريد أن يُخرجه منها!.

   وربما كان دافعه رغبات عمياء وأطماع هوجاء انصاع لها دون فكرٍ واعتبار، فأضحى مطية لغيره. فكثير ما تحولت الرغبات الى أمراض مزمنة.

   الكل كان يتمنى مُلك سليمان وسلطانه؛ لأنهم كانوا ينظرون لثياب سليمان وليس لداخل سليمان، الا هو فقد أيقن بعد فوات الأوان إن ما كان يطلبه ليس هو، فأظهر حقيقة شعوره في لحظة انتفاضة جوهره، وخرق ستار أثوابه وكشف ما لا يشعر به الا هو ونادى بباطل الاباطيل (رأيت كل الاعمال التي عُملت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض الريح .....).

   ليس ثمة جبر انما انت من يختار الثوابت التي تُحيكُ منها بيت عنكبوتك، وتصطاد بها نفسك قبل اصطياد فريستك.

   أعداؤك أثنان، ذاك الذي في الخارج وهذا الذي في داخلك، كلاهما يريد منك ان تحقق له رغباته، ويدفعك لذلك غير عابئ بك، كلاهما يريد منك ان تكون ردة فعل لفعله، فإما أن تكون حراً واما ان تكون عبداً لإلهين لا يستحقان أن يكونا عبدين!.



جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق