قواعد الايمان
قاعدة الذكر

قاعدة الذكر


    المدرك: قوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة : ١٥٢].

     


   المفهوم: إن ظاهر الآية صريح وغني عن التفسير والتأويل ، فإن من القواعد التي ثبتها الحق تعالى وجعلها عروة يستمسك بها كل من أراد العطاء الإلهي ، ودرجة يرتقيها كل من أراد التصاعد في سبيل التكميل الإيماني ، هي قاعدة الذكر. وجوهرها التلازم الذي لازمه الحق تعالى بين ذكر العبد له وذكره للعبد، فمن خلالها يبين لنا أن من أراد أن يذكره الله تعالى في أي موطن شاء فعليه أن يذكر الله في ذلك الموطن وهذا من الرحمة النابعة من العدل في اللطف.



   التطبيق: اعلم إن ذكر الإنسان لربه له مراتب متعددة وكذا هو ذكر الرب لعبده، وعلى مقدار ذكر العبد يكون ذكر الرب، علماً أن ذكر الرب ابتدائي أي اسبق من ذكر العبد بل يُبنى عليه ذكر العبد قال الإمام السجاد ( عليه السلام ): (( أنت الذاكر قبل الذاكرين )) [دعاء الامام الحسين (ع) يوم عرفة] ولكنه بجلال كرمه أسقط الأول وجعل ذكر العبد هو الابتدائي عطاءً منه سبحانه، والذكر الإلهي الابتدائي يتمثل بإيجاد القابلية للذكر والتحبيب به وبيان مواطنه وملائمته مع التسامي الروحي.


   وذكر العبد لربه تارة بالعبادة وتارة بالتسبيح وأخرى بالعمل بالمستحبات أو ما ينوي به ذكره تعالى وان كان غير المنصوص وكذلك ذكره عند البلاء وعند الشبهات وذكره في مجالس العلم والوعظ وذكره بالتفكر والتدبر وذكره بالخاطر القلبي وذكره بتقديم العجز في ساحته وذكره بنسبة فعله إليه ورؤية أياديه حين العطاء وحين البلاء، وغيرها من مواطن الذكر وكل بحسب مرتبته وقابليته، ومراتب الذكر تكاد تكون لا نهائية لان كل مرتبة بعد تحققها تستدعي التي تليها قال الإمام الصادق ( عليه السلام ): (( ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه، فرض الله الفرائض فمن أداهنّ فهو حدهنّ إلا الذكر فان الله عز وجل لم يرضَ منه بالقليل )) [الكافي / الجزء ٢/ ص ٤٩٨/ ١].

   وأما النتيجة وهي ذكر الله جل جلاله لمن ذكره فتكون اكبر من المقدمة قطعاً لان المذكور أعظم من الذاكر فيكون ذكره أعظم من ذكر ذاكره، فتارة يجزي بالثواب وأخرى بدفع أو رفع بلاء وأخرى بزيادة الرزق المادي أو شفاء من علة وتارة برفع الدرجة بسلّم الإيمان وأخرى بذكره في الملأ الأعلى، قال الإمام الصادق ( عليه السلام )، قال الله تعالى: (( ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، ابن آدم اذكرني في الخلاء أذكرك في خلاء، ابن آدم اذكرني في ملأٍ أذكرك في ملأٍ خيرٍ من ملأك )) [ميزان الحكمة / باب الذكر / حديث ٣٦٨٧] ومرة يكون ذكره لعبده بإزالة الحجب عن قلبه وفتح بصيرته، وأخرى بإزالة رذائل الأخلاق ودنو الصفات وكذلك بإنزال المعرفة على قلبه وتارة بملازمة ذكر الله لقلب عبده وغيرها مما لا يحصى، وكما قلنا على مستوى ذكر العبد لربه يكون مستوى ذكر الرب لعبده فكلما تصاعد ذكر الإنسان تصاعد ذكر الحق تعالى له وكلما كثر ذكر الإنسان كثر ذكر الحق له.

   واعلم: إن تعميق الذكر والرفع من مستواه يعتمد على طهارة القلب المبتني على خلوص النية حين الذكر من الشوائب الدخيلة على مستوى الذكر والتي تؤدي بدورها إلى تدني الذكر وبالتالي إلى تدني مستوى الجزاء، فليس المعول عليه كثرة الذكر وإنما مستوى خلوص الذكر ومستوى تجرد الذاكر من الشرك الخفي والمصلحة الخاصة فإذا بلغ درجة خلوص معتدٍ بها يؤهل إلى كثرة الذكر، وإنْ كان ذكر العبد أكثر إخلاصاً كان ذكر الحق تعالى أعظم وأبلغ.

   وأما بالنسبة للجانب المقابل: هو أن يذكر العبد ربه بالسوء كالاعتراض عليه والجزع من أمره، حينئذٍ يستحق العبد أن يذكره الله تعالى بما يسوءه سواء بزيادة بلاء المعترض له أم تمحيصه حين الجزع أو غيره مما يراه هو جل جلاله مناسبا، وهذا هو مضمون القاعدةـ فمن ذكرني بالشكر ذكرته بالشكر ومن ذكرني بالكفر ذكرته بالكفر ـ أي من جحدني جحدته سلبت منه عطائي أو منعته. قال الإمام الصادق ( عليه السلام ): (( أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود ( عليه السلام ): قل للجبارين لا يذكروني، فإنه لا يذكرني عبد إلا ذكرته، وان ذكروني ذكرتهم فلعنتهم )) [ميزان الحكمة / باب الذكر / حديث ٦٣٦٩].

   وكلما كان ذكر العبد لله تعالى في مواطن الصعوبات كان الذكر الإلهي للعبد أعظم وأكمل، وليس المقصود من الصعوبات هي البلاء والعسر وإنما هي أوقات الغفلات سواء أكانت في اليسر أو العسر.

   وذكر الله تعالى مطلوب على كل حال وقد أعطاه الله تعالى من المساحة الكبرى فلم يقيده بحال دون حال أو مكان دون مكان، ومما يروى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) انه قال: قال موسى ( عليه السلام ): (( يا رب إني أكون في حال ٍأجِلُّكَ أن أذكرك فيه. قال: يا موسى اذكرني على كل حال )) [ميزان الحكمة / باب الذكر / حديث ٦٣٦٩].






جديد قسم : قواعد الايمان من بين يدي القرآن

إرسال تعليق