المبالغة في الكلام
المبالغة في الكلام

المبالغة في الكلام

    من الأمراض الشائعة بين الناس، والتي قلما نجد من عافاه الله تعالى منها، هو مرض المبالغة. وهو إضافة المتكلم بعض الأمور لقوله أو خبره.
     والذي يدعو الإنسان لهذا الأمر، أعني إلى عدم النقل الدقيق أو التعبير الدقيق عما يريد تصويره لدى المقابل، عدة أسباب، منها:
    أولاً: اللامبالاة بحدود الكلام، أي إنزال الكلام الى مرتبة أدنى مما هو عليه، أو قلّ أدنى من استحقاق الكلام من الاهتمام. وربما هذا بسبب الجهل بآداب الكلام.
     ثانياً: عدم رؤية أو تصور عواقب ونتائج ما أضاف من مبالغات في كلامه. فلو أنه أدرك من أن المُحسنات - في نظره - التي أضافها لكلامه سترسم صورة في ذهن السامع غير الصورة الحقيقية للأمر والتي ربما يبني عليها السامع أسس يُسيّر عليها في حياته، خاصة إن كان المتكلم ممن يُسمع كلامه، فلو أدرك المبالغ ما لمبالغته من أثر فلربما تحرى الدقة في كلامه.
     ثالثاً: وربما هو السبب الأكبر للمبالغة - حسب ما فهمنا من المبالغين - هو اعتقاد المبالغ من أن نقل الواقعة كما هي فيه شيء من النقص، فيحاول [مشكوراً!] سدّ ذلك النقص بتعظيم الواقعة أو تحسينها بالإضافات.
    رابعاً: وقد يكون هو السبب الدافع، وهو محاولة إثارة السامع وشدّه إلى المتكلم، وبالتالي الإعجاب بالمتكلم نفسه. فهو يعود تحقيقاً إلى شعور المتكلم بنقصه – وهو شعور حق – لكن محاولة سدّه بهذا الأسلوب هو من باب سد النقص بما هو أنقص منه.
    وإن لهذا الأسلوب أو المرض من الأضرار المباشرة وما تترتب عليه من آثار، ما تودي بصاحبه إلى الهلاك من حيث لا يشعر. نذكر بعضها:
    أولاً: ما يتضرر به المبالغ نفسه، وهو سقوطه من أعين الناس، فإن ما أوهمته به نفسه من أن مبالغته ستبلغ به معاقد قلوب الناس، هو وهم محض وصورة خادعة استدراجية، لأجل إيقاعه بما يبعده عن الناس بل ورب الناس.
    ثانياً: من الآثار السلبية المترتبة على هذا الفعل، هو ضياع الحقائق لما ترسمه المبالغة من صورة في ذهن السامع مغايرة للواقع، وربما تصل درجة المغايرة -إن ضُم إليها أسلوب المتكلم ودرجة استقبال السامع - إلى مئة بالمئة.
    ثالثاً: إن المبالغة ليست بمرضٍ مستقلٍ يتوقف عنده المبالغ، إنما هو حلقة استدراجية للتي تليها، وهو باب الاختلاق وأعني به الكذب المحض. فتكون المبالغة مُهيئة ومسهِّلة لدخول باب الكذب المجرد الصريح.
    ولا ينبغي أن نغفل من أن المبالغ مسؤول عن كل ما يترتب في ذهن السامع وما يؤسس عليه السامع من اعتقاد أو فعل جرّاء مبالغة المُخبر.
    فينبغي على المتكلم أن يتحرى الدقة والحق في كل ما يصدر عنه، قولاً كان أم حركة، فإنه مسؤول. وأن قول الحق هو من نصرة الحق تعالى.    

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل





جديد قسم : ومضات تربوية

إرسال تعليق