ومضات تربوية
نعمة الجمعة


نعمة الجمعة
   إن من نعم الله تعالى علينا، أنه بين لنا مواطن طاعته، وسبل التقرب إليه، وفصّل لنا ما يدنينا إليه من الافعال والاقوال والتروك. ولولا هذا البيان لأضحى الانسان في حيرة كبيرة ولما تقرب الى الله تعالى إلا أقل القليل من عباده.
    ومن أمهات هذه النعم هي صلاة الجمعة، بما اشتملت هذه العبادة على فوائد ومنن دنيوية وأخروية ومعنوية جُمعت في فعل واحد، ثم بين لنا سبحانه أهمية هذا الفعل وموقعه من ساحة رضوانه حتى أمرنا بقطع كل سبب يقطعنا عنه من تجارة أو بيع أو لهو، حرصاً منه على عدم تفويتنا لهذا المنفعة الكبرى، فكانت هذه النعمة موطنا لمن يطلب مواطن الإيمان وحضرة لمن يروم حضرات الرضوان.
   ثم إن ما ورد من تعظيم هذه الشعيرة من قبيل قول الامام الصادق (ع):( ما من قدم سعت الى الجمعة الا حرم الله جسدها على النار) [وسائل الشيعة \ج-5 - ص-3] أو قول الرسول الأعظم: (من طلب الجمعة كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها) [الترمتذي -456]، وما بشاكلتها، ليس هو من باب تثبيت عمل عبادي اجتماعي فقط، بل المسألة ربما تتجاوز فائدة الانسان، فما أوضحه الرسول الاكرم (ص) بقوله: (اذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من ابواب المسجد ملائكة يكتبون الاول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر) [النسائي حديث 1675] أو في رواية أخرى أن الملائكة المقربين ينزلون لصلاة الجمعة، فالذي يُفهم من هذا الحديث أن في صلاة الجمعة كمال للملائكة، من جهة ما يقومون به من عمل في هذه الصلاة، ومن جهة ما يستفيدونه من الذكر والموعظة والدعاء وما يجود به إمام الجمعة. إذن لم تقتصر فائدة الجمعة على سكان الأرض بل تعدت الى سكان السماء.
   أما ما تعطيه هذه الفريضة من فوائد لمريديها فهي كثيرة، وقد كُتب الكثير عن فضائلها وفوائدها الرئيسية، لذا سأقتصر على ذكر بعض فوائدها الجانبية، ومن ذلك:
اولاً: يستجاب فيها الدعاء كما ورد عن الإمام الصادق (ع): (الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف) [الكافي ج-3- ص414].
ثانياً: إنها تخفف من أهوال يوم القيامة، وما أحوجنا إلى ذلك، فقد ورد (ما من مؤمن مشى بقدمه إلى الجمعة إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة) [بحار الانوار ج-9-ص-301].
ثالثاً: هي خروج من الحال الدنيوي الذي يعيشه الفرد خلال الأسبوع بتراكماته والانتقال الى حال إيماني وصفائي، وبتكراره تحدث نسبة من التوازن في حياة الفرد، ويكون مانعا من الانسلاخ الكلي الى الجانب الدنيوي.
رابعاً: ما يفيض به الله سبحانه على لسان الإمام ولو كلمة واحدة. فقد يجعل الله لك رزقاً في كلمة تخرج من فم الإمام والإمام غير ملتفت لها ولا يعي بُعدها.
خامساً: إن الفترة التي يقضيها الفرد المصلي من حين خروجه من داره لأداء هذه الفريضة إلى حين رجوعه، بمجموعها تعتبر عمل عبادي، وعليه فإن الله سبحانه يرتب أثرا على مجموع تلك الأفعال لا على الصلاة وحدها.
سادساً: إن المواظبة على صلاة الجمعة – لمن أوتي إلى ذلك سبيلا- هو تثبيت لشعيرة من شعائر الإسلام وبالتالي هي نصرة للدين، لمن أراد النصرة.
سابعاً: إن ترك الفرد لعمله وشؤون حياته وراحته لأجل أداء ما فرضه الله سبحانه، لهو من التضحية في سبيل من هو أهلاً لها، والتي سيأخذها سبحانه بعين القبول والاعتبار، وإن تكررت هذه التضحية أسبوعياً، فقد تكون فاتحة لتضحيات أكبر وبالتالي داعية لنزول عطاء أعظم.
ثامناً: إن صلاة الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى، كما نطقت بذلك الروايات والأحاديث [صحيح مسلم ح- 349].
تاسعاً: إن الجلوس في الحر أو البرد لأجل أداء هذه الفريضة أو الإصغاء إلى الخطبة إن كانت دون ما يأمله الفرد، مع خلوص نيته وعدم تذمره، لهو من جهاد النفس، الذي يرتقي بصاحبه إلى أرفع مراتب العبادة ويفتح له أوسع أبواب القرب.
   وغيره كثير لا يمكننا الآن استقصاءه.
   ومن جهة أخرى ينبغي أن لا نغفلها، هي أن بعض المجتمعات الإسلامية مُنعت هذه النعمة، مُنعت من أداء هذه الفريضة ثم مَنَ الله عليها مرة أخرى، فوجب عليها أن تصونها بالإقبال عليها وأداء حقها، وإلا فإن التقاعس عنها هو دعاء بلسان الفعل لسلب هذه النعمة، فلا نكوننّ سبباً لزوال هذه النعمة وغلق هذا الباب العطائي الكبير عن أنفسنا وعن الأجيال التي تلينا.

   أما من جهة أضرار ترك هذه الفريضة والتقاعس عنها، فهي إضافة الى خسران تلك الفوائد التي ذُكرت، فقد وردت عدة ملازمات لترك صلاة الجمعة، منه: أن تركها يورث أشد أمراض القلب وأعظمها وهو الغفلة والذي إن حلَّ بقلب امرء ضيّع عليه ما لا يمكن إنقاذه، وأبعد عليه غايته، وحجبه عن أسباب سعادته، وحرمه من مواطن لذته، والذي كلنا يشكو من وطأته، يقول الرسول الأعظم (ص): ( لينتهينّ أقوام من ودعهم – يعني تركهم- الجمعات أو ليختمنّ على قلوبهم ثم ليكوننّ من الغافلين) [-وسائل الشيعة ج7 ص203 ابن عساكر تاريخ دمشق ج5 ص229]، وكذلك فإن ترك الجمعات هو من الأسباب التي تولد النفاق في قلب الفرد حيث يقول الرسول (ص): ( من ترك ثلاث جُمع متعمداً من غير علة طبع الله على قلبه بخاتم النفاق) [وسائل الشيعة ج7 ص203].

   إذن هي نعمة جاءت تفضلا لا استحقاقاً، وجب على من وعاها أداء حق شكرها، وأفضل مراتب شكرها هو أدائها.

نسأله جلَت آلاءه أن يُعيننا على الطاعات ويوفقنا لأداء الجمعات.
والحمد لله وحده.




جديد قسم : ومضات تربوية

إرسال تعليق