ومضات تربوية
العقارب والغربان


العقارب والغربان

     اجتمع الغربان وقرروا ان يتخلصوا من مجتمع العقارب. قال زعيمهم لقد قررت ان اتخلص من جميع العقارب؛ وذلك لأنها مخلوقات متمحضة بالشر والاذى وليس منها فائدة او خيرٌ يُرجى فما تقولون؟. فأيده جميع العربان، فحددوا موعداً للانقضاض على العقارب، وعندما حلتّ ساعة الصفر هجمت الغربان هجوماً كاسحاً، وتوجه زعيم الغربان الى زعيم العقارب لقتاله، ولما اشتد القتال بينهما واخذ منهما التعب كل مأخذ سأل زعيم العقارب زعيم الغربان: لماذا تريد قتلي؟.
      قال الغراب: لأجل تخليص الخلق من شرّك.
     فقال العقرب: ألا تعلم ان في موتي خسارة للعالم اجمع؟!.
    ضحك الغراب حتى وقع على الارض وقال: يا أحمق ما لك وللعالم؟! هل انت الشمس ام القمر؟! إن انت الا حشرة لا تذكر وشرُ لا يُنكر وليس لك فائدة لنفسك فضلاً عن غيرك، فدع عنك ما هو أكبر منك واستعد للموت.
    فقال العقرب: أخطأت يا غراب فإن خالقي ومدبري (تعالت حكمته) أودع فيّ من الفوائد ما يقصر عنها ادراكك ويفتقر لها أمثالك.
    فقال الغراب: بين لي فائدة واحدة مما يقصر عنها عقلي يا عديم العقل؟.
    قال العقرب: سأذكر لك ابسط الفوائد واوضحها مما يتحملها عقلك.
    الفائدة الاولى: وهي على الصعيد الجسدي، فإن ما احمله من السم فيه منافع كثيرة للخلق، وقد التفت بنو الانسان الى ذلك واخذوا يستخدمون سمي في علاج بعض امراضهم المستعصية، وسوف يكتشفون في المستقبل ما هو أكثر من ذلك.
   الفائدة الثانية: وهي على الصعيد النفسي، ان الخالق (جلت قدرته) عندما أبدع الخلق جعل فيه أنظمة تضمن توازن الخلق، وجعلني جزءاً من نظام التوازن النفسي وذلك لما اسببه من الخوف في النفوس والذي يعمل على توازن الخوف مع الشهوة، اذ لولا الخوف لطغت الشهوة واخذت مساحة أكبر مما أُريد لها، فكان وجودي ووجود من يشترك معي بهذه الصفة هو لأجل التوازن من هذه الجهة.
     الفائدة الثالثة: ان ربي (تقدس أسمه) جعلني من جنوده الذين يسلطهم على من يريد عقابه أو ابتلاءه، سواء أكان من بني البشر أو بني الدواب والحشر.
     الفائدة الرابعة: إن خالقي جعلني من اسباب الموت لبعض الخلق الذين لا يصل لهم غيري فيكون أجلهم على يدي.
    الفائدة الخامسة: ان بعض الحيوانات من يرتكب الجريمة بحق اخيه الحيوان فيحق عليه القصاص، فيسلطني الحق سبحانه على ذلك الحيوان فأقتص منه.
    الفائدة السادسة: وهي على الصعيد العقلي، ان دافع الخوف الذي اولّده لدى بني البشر، هي داعية لتحريك عقولهم، فإن اكثر ما يحرك العقول هو الخوف والطمع، فإذا أخفت الانسان حرك عقله واتخذ التدابير اللازمة لأجل ازالة ذلك الخوف وتجنب اسبابه، فترى الانسان فكر في كل الاحتمالات التي تسعفه لأجل الخلاص من هذا الخوف، بل الامر اوسع من ذلك فقد تحرك الانسان وفكر واكتشف وخطط ثم صنع المبيدات واسس المصانع وشيد المعامل لأجل الخلاص من خوفه مني، ثم عمل في جانب اخر وهو جانب صنع الدواء والعلاج المضاد للدغتي، وجعلوا فعلي محط دراستهم واهتمامهم.
    فجعلني خالقي ومدبر أمري سبباً في تحريك العقل البشري وتوسيعه وفتح ابواب علوم جديدة لم يكن يعرفها بنو الانسان. وهذا غير مقتصر على بني الانسان فحتى الحيوان يتخذ التدابير خوفاً مني وإلا فما الذي حركك انت وقومك الا نفس هذا الامر!!.
    وهناك من الفوائد ما لا يحتملها عقلك.
    فلا تستحقرني بسبب صغر حجمي او سواد وجهي.
    فقال الغراب: لله درك ايها العقرب، لقد فتحت عيني على امور لم أكن أُدركها.
   فقال العقرب: وهذا من ضمن فوائد وجودي! ثم التفت الغراب الى قومه واشار لهم بوقف القتال وقال: دعوا الخلق لمدبره فهذا الامر أكبر منا.       
   



جديد قسم : ومضات تربوية

إرسال تعليق