فيوضات من الباطن
فيضٌ من باطن قضية الحسين (ع)


الباب الثاني عشر
فيضٌ من باطن قضية الحسين عليه السلام

   بما إن أصل الوجود هو الوجود المعنوي ، ثم أفاض الوجـود المادي ، أخذت الموجودات من معنى ذلك الوجود وصفاته وكان ذلك هو الصلة الباطنية الأولى ، أعني صلة الموجودات بموجدها وهي صلة الرجوع للأصل وهي معنى الوجود وما اكتسب من صفاته بالاكتساب المقصود ، وإلا فالوجود ليس له صفة . وعليه كان لكل ظهورٍ بطون ، ومنه كان لقضية الحسين ( عليه السلام ) باطن على قدرها ، وإن كان الرائي يرى منها قضية ظاهرية جاءت من أجل تثبيت أمور ظاهرية ليس أكثر ، لكن هذه الرؤية سببها إن غالب الإنسان يميل { إن لم يكن ملتصقاً } إلى جانبه المادي والظاهري أكثر من ميوله إلى جانبه المعنوي والباطني لذا ليس له منظور إلا المنظور المادي ، كما وصفه تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ } [الأعراف : ١٧٦] أي رضي بالمرتبة الدنيا منها وركن إليها فحُجب عن باطنها وبَعُد عن معاليها . لكن هذا لا ينفي الوجود الباطني ولا يرفع الظواهر عن كونها أبواباً للبواطن.

   والناظر الملتفت لقضية الحسين ( عليه السلام ) يرى لباطنها من العمق والسعة ما لا يقاس بها ظاهرها ، وإن الفوائد التي حققتها للعالم المعنوي ما تسقط أمامها كل الفوائد . فإن لهذه القضية باطناً أعمق مما يتصور حتى صاحب الباطن .

   ومما نستطيع الإشارة إليه شيء يسير من المرتبة الأولى ، أما غيرها من المراتب فتلك تؤخذ بالكشف والفيض . فنقول وعلى الله التوكل .

إن من باطن قضية الحسين ( عليه السلام ) أمران : 

   الأمر الأول :  فائدتها للباطن . وهو على مستويات .

   المسـتوى الأول : في ظاهر الباطن ، فإن للبـاطن أبواباً فـي الظاهر. وقضية الإمام أصبحت من أوضح الأبواب للدخول إلى الباطن , وأصبحت أسرع الأبواب كمـالاً ، فقـد فتـح الإمام الحسين ( عليه السلام ) فتحا مبينا جديدا للباطن ، فكان في قضيته توسيعٌ في ظاهر الباطن .

   المسـتوى الثاني : إن قضية الإمام الحسين ( عليه السلام )  كانت نقلـة فـي الاسـتعداد العـام ، إذ أن المسـلمين كانوا أصحاب اسـتعداد متـوقف منـذ استقرار الرسالة المحمدية حـتى واقعـة الحسـين ( عليه السلام ) . فكانت هذه القضيـة هـي أسلوب مـن أساليب اسـتخراج الاســتعداد لكافــة المسـتويات , سـواء كـانت ذات المسـير فـي الكمـال التصـاعدي أو التكامل التنازلي ، فكــانت الخــطوة الثانيــة في الإسلام . وفي الثاني كمال الأول وإن كان يرتكز عليه .

   المسـتوى الثـالث : إن هـذه القضيـة هي من اكبر الاختبارات التي مـرّ  بها المسـلمون  فكانت اختباراً لعامة المسلمين ولخاصتهم أي أعلاهم يقينا وأدناهم ، فسعد من سعد وشقى من شقى.

   المسـتوى الـرابع : وهو  من أسرار قضية الحسين ( عليه السلام ) أن هذه القضية أفادت في كمال العرش وكل ما دونه , فكانت إشراق على المجردات والحقائق العليا وغيرها مما هو أعلى وليس محله كتاب .

   وليست قضية الحسين ( عليه السلام ) حرباً ظاهرية ثبت بها الدين فقط إنما هذا أمر زهيد أمـام الفوائـد التـي قدمهـا الحسـين لدائرة الوجود .

   وليس هذا عليهم بكثير ، فإن الحـق تعالى اعتمـد في طريق الكمال على الأئمة عليهم السلام منـذ بـداية الخلق وحتى نهايتها , فكانوا ولاة أمره على دينه وخلقه وخلفائه على أرضه ، وهذا ما اقتضى أن يلازموا عملهم إلى نهايته ، وإلا فـلا قيـام للإسلام وغير الإسلام  ظاهره وباطنه دون وجود إمام معصوم ، لتعلق كل الديانات بولايته .

   وبـذلك يقـول الإمام الصادق ( عليه السلام )  بما معناه : ( نحن الأئمة موجودون في كل زمان ومتى ما انتهت حاجة الله من خلقه رفعنا إليه ) .

   الأمر الثـاني : هـو فـائدة الإمام الحسـين( عليه السلام ) من قضيته وهي على جانبين ويرتبط بهما جانب ثالث :

   الجانب الأول : فائدة أصحاب الحسين ( عليه السلام ). فاعلم : أن أصحاب الحسين من الحسين , فإن الإمام في الباطن يُعد أصلاً ويتفرع منه فروع عدة ، فكان أغلب أصحاب الحسـين عليه السـلام هم فروع منه ، أي أنهم كمالات جزئيـة مكتسـبة من الكمال الكلي , وهو الحسين ( عليه السلام ) ، حيث أن أصحابه ( عليه السلام )  كلهم كانوا في درجة الفناء في الحسين ( عليه السلام ) إلا اثنيـن وهمـا عـلي الأكبر والعباس فان فنائهما كان بالله  .

   وحـتى العبـاس والأكبر همـا كذلك فروع من الحسين ( عليه السلام ) ولكن اخذوا استقلالهم في عالم الحقيقة بوصولهم للفناء .

   فكان لأصحاب الحسـين الفائدة الكبرى من هذه القضية ، إذ أنهم اكتسـبوا بهـا عظيم الكمـالات المكتسبة من كمال الحسين المستفيضة من الكمال اللامتناهي , واعني الذات المقدسة .

   لأن رابطـة المحبـة للكمـال أو الكـامل موجبـة للاكتســاب من كمالـه على قدرها . لأنها اكبر الروابط , لخلوصها وتجردها من المصالح ، واعني بها المحبة الحقيقية . لذلك نرى أن المريد إذا أحب شيخه أسرع في طريق الكمال .

   واعلم : أن أصحاب الحسين لو يعملون طوال حياتهم , لا بل وحيوات أُخر لَما وصلوا إلى ما وصلوا إليه بمشاركتهم في قضية الحسين .

   الجـانب الثاني : هو فائدة الإمام الحسين ( عليه السلام ) نفسه فأقول : حسب ما تبين لنا إن خـروج الإمام الحسـين ( عليه السلام ) لـم يكـن بأمر الهي إنما كان بإرادة الحسـين ( عليه السلام ) الخالصة , وان شاء الحسين ( عليه السلام ) تخلى عن ذلـك . وهذا لا يكون إلا لمن أبصر النظام وأدرك الحكمة وما يريده الحق تعالى في الواقع ، فأقبل عليه السلام على هذا الفعل لرؤيته احتياج النظام الإلهي إلى ذلك . فكان عليه السلام مع النظام الإلهي كصاحب الدار في داره أو الملك في مملكته فلا يحتاج صاحب الدار إلى حافز خارجي كالتكليف وغيره لأجل أن يُقدّم الأصلح لداره . وأما التكليف فعادة يكون لمن لا يدرك المصلحة وللضعفاء المفتقرين إلى الدافع الخارجي . لكن الحسين ( عليه السلام ) بعلو مقامه اعتبر كل ما فيه مصلحة للخلق هو تكليفه ، وهذا من الأمور التي يصعب على غير المعصوم تحملها ، إذ أن مقام العصمة تصاحبه مسؤولية كبيرة يندر تحملها .

   ولم يكن خروجه من أجل تحصيل الكمال الخاص ، أي رقيه في مدارج الكمال وإنما كان للمصلحة العامة العليا كما أسلفنا . نعم نال الحسين كمالات من خروجـه , وكان في خروجه سـرعة في كمالـه , وقـد وصل ( عليه السلام ) بقضيته إلى معرفة الحق التي عرفه الرسول بها . لكن حسب ما فهمنا أن ذلك لم يكن بحسبانه عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام ، إنما كان نظره على ما اقتضته المصلحة العليا .

أما الجانب المرتبط بهذين الجانبين وهو :

     الجانب الثالث : إن هذه القضية أفادت أعداء الحسين بكل مستوياتهم.

    فبقبولهم محاربة الحسين فُتح باب من أبواب كمالهم ، وهو التسافل في خط الكمال ، أو قل التكامل في عالم الظلام ، فقد كان لقضية الحسين طفرة كمالية لأعدائه في كمالهم حيث وصلوا إلى مراتب سحيقة في عالم التسافل . ومن جانب آخر فإن من أعداء الحسين من كان في حيرة من أمره ، أي متأرجح بين الحق والباطل وهؤلاء هم أصحاب قول : ( قلوبنا معك وسيوفنا عليك ) فحسم الحسين أمرهم وأعطاهم استحقاقهم وهو التسافل ، فجمع قلوبهم إلى سيوفهم ، لأنا نعلم أن الاختبار أو التمحيص له ثلاثة نتائج لا رابع لهما وهي : أن يرفع من كمال الصالحين ، ويحط من كمال الطالحين ، ويحسم أمر المتأرجحين ، فكذلك كان عمل قضية الحسين عليه السلام .

   فقد أعطت هذه القضية دافعاً وتحريكاً لكل الأنظمة الإلهية ، لا لخط الكمال التصاعدي فقط . واعلم أن هذه الثمرة تستحق أن يضحي الحق بمئات الأنبياء من أجلها لا بحسين واحد !...
    
   أما بالنسـبة لمقتلـه ( عليه السلام ) ـ إن نظرنا من زاوية أخرى ـ ، فانـه قـد حوى اكبر المصـائب وأصعب المواقف التـي لـم يمر بهـا غـيره على الإطلاق , وقد بُين لنا ( أن سـليمان طلب من الله مُلك لا ينبغي لأحد من بعده ، والحسيـن  طلـب مـن اللـه مصيبة لا تنبغي لأحد من بعده ) . وهذا منتهى ما تصل إليه البشرية من تحمل . ومنه وعلى الرغم مما مر به من مواقف لم يخرق النظام الطبيعي وهو صاحب الولاية الباطنية العليا ، ولو شاء لجـعل عاليهـا سافلها .

   أما بالنسبة إلى تضحيته ، وهي أعلى التضحيات ، فاعلم : أن تضحية الحسين لم تكن عشوائية ، بل كانت مرتبة ترتيباً تكاملياً ، يوصل إلى ما أراده هو ( عليه السلام )  أو ما اقتضته المصلحة . فمن ذلك جلب عياله معه ، الموجب للإيذاء أن لم يكن القتل ، وقد مات بعضاً منهم من شدة العطش، وان أغفل التأريخ ذكر ذلك .

   الشيء الآخر هو تقديم أصحابه وأهل بيته واحدا تلو الآخر ، وإلا فكان بمقدوره أن يهجم هجمة واحدة وينتهي الأمر ، لكن لو حصل ذلك فأنه سوف يُنقص من كمال قضيته ، واقل نقصاً هو أن يقصّر عمرها ، فقدمهم ( عليه السلام ) واحداً بعد واحد وهذا ما جعل المصيبة الواحدة تفوق السبعين مصيبة . ومنه كذلك قتل الرضيع حيث أن الطفل يختلف عن البالغ من جهة العاطفة الأبوية بأمور ، منها أنه يأخذ من عاطفة الأب أكثر من البالغ لأنه الطفل لا يدرك من الأمور شيئا ، وليس له أن يقرر مصيره على العكس من البالغ ، أضف إلى ذلك تألم الطفل من شدة العطش مع عدم القدرة على الإفصاح عن ذلك مما يجعل حسرة في قلب الطفل المؤدية إلى زيادة عطف الأب عليه إلى غيرها من أمور هذا الرضيع التي يصعب تحملها عند السماع . لكن هدف الحسين كان أسمى من أن يعطف على رضيع أو كبير لان عاطفته الكلية كانت عامة لكل المسلمين بل لكـل البشرية ، لهذا كانت تضحيته لأجل الكمال العام . وقد  ضحى عليه السلام بكل ما يتصل بـه مـن قـريب أو بعيد أي بكل عزيز من أصحابه إلى نفسه وحتى ملابسـه ( عليه السلام ) , فخروجه من الدنيا لو صح التعبير ليس كما دخل فيها , بل اقل مما دخل , لأنه عندما دخل بكامل جسده , ولكنه خرج بجسد مُقّطّع .

   أما استشهاده فكان منه حدٌّ لهذا المقام ، إذ انه ( عليه السلام ) حـدَّ مقام الشهادة , لان الشـهادة متناهية وليسـت هـي أعلى المقامات , إنما هي أعلى المقامـات بالنسـبة لأصحاب الظـاهر , أما في البـاطن فان هنالك مقامات أعلى من الشهادة . فوصل الحسين ( عليه السلام ) إلى كمال مرتبة الشهادة وحدّها باستشهاده فليس لأحد من البشر أن يبلغ أعلى من ذلك لعدم وجوده .

   وكـذلك فتحت هذه القضيـة بابـاً واسعاً , بعالم الاتصـال بالأئمة (ع) والوصول للكمال عن طريقهم , وأصبح الحسـين أسرع الطرق للاتصال بالله جلّ وعلا , أي أسرع من بقية الأئمة ~عليهـم السـلام~ وانعكس ذلك على مستوى الظاهر فإن من خصوصياته ( عليه السلام ) أنه يقبل زيارة كل زائر ، عـلى العكـس من الأمير ( عليه السلام )  فانه لا يقبل إلا الخاصة , وهذا يُعكَس على الآخرة , فيكون هو الشفيع الأكبر للناس على وجه الظاهر بعد الرسول .

   هذا ، واتصـف الحسـين ( عليه السلام ) بصفتين من أصعب صفات الحق وهما صفتا الوحـدة والغربة , فتجسدت هـاتين الصفتين بقالب الحسين ( عليه السلام ) ولم تعتلِه صعوبة في حملهن , فكان اكبر ما تجلى الحق بالحسين ( عليه السلام ) عند تلك الواقعة .

   أما بـاطناً , فان الإمام الحسين ( عليه السلام ) لم يكن وجوده في المعركة بـالوجود الحـقيقي , إنما وجـوده ظاهري , أي كان في حال تجرد تام , واعني بالتام تجرد نفسي وقلبي وعقلي . فلـم يكن موجوداً بالوجود الكـلي , ولكنـه لـم يخـرق النظام النفسـي الظاهري , فلو صحت الروايات عن بكائه أو تألمه ( عليه السلام ) إنما كان ذلك من اجل حفظ الظاهر، وكذلك من اجل زرع الألم الذي يساعد على المسير فـي التكـامل .

ومن الأمور الكمالية الكبرى التي حققها ( عليه السلام ) لأهـل الباطن والمعرفة ، هو انه بيّن للعارفين على مر الأجيال أن الإنسان يستطيع أن يختصر خط الكمال ، ويستطيع أن يُنزل العـطاء بإرادته .

   الأمر الثاني الذي بينه الحسين من خلال قضيته هو تجنب العمل بما يخرق النظام الطبيعي ، حيث كل العارفين يدركون أن الأرض لا تخلو من ولي يتقلد مقاليد الولاية الباطنية العليا ، وهذه كانت لدى الحسين ( عليه السلام ) ، لان هذه الولاية هي المقصود بها لا تكون إلا لشخص واحد ، وإلا فالحسين في زمن الحسن عليه السلام هو ولي لكن ليست ولايته هي الولاية العليا إنما ولاية باطنية جزئية ، فإنه يستطيع أن يتحكم بالكون من باطنه المؤثر والمهيمن عليه . والنتيجة انه عليه السلام أسدل حجاباً على تلك الولاية ، وسار في النظام الطبيعي ، وهذا الباب حدا ببعض أهل الباطن رضوان الله تعالى عليهم إلى ترك طلب الكرامات من الحق ، فأن أُعطوا تركوا العمل بها . حتى قال شيخنا أعلى الله مقامه : { لو عرضت عليّ الولاية الباطنية العليا لرفضتها } .

   أما موضوع الانتصار والانكسار في حرب الحسين ( عليه السلام )  مع أعداء الله الذين حاربوا الله عن طريق أحد أبوابه . فاعلم : إن مقاييس الانتصار لدى أغلب البشرية هي مقاييس خاطئة بكل معانيها ، لان أكثر الحروب قائمة على أساس مادي ، فإما للحصول على الأرض أو الأموال ، أو السيطرة وهي كذلك تصب في الحصول على الاثنين ، لو سألت كل عاقل وجاهل عن أفضل المخلوقات ؟ لقيل لك أنه الإنسان . وأن سألت عن اقل الموجودات شأناً ؟ لقيل أنه التراب وهذا من الضروريات ، إذن فكيف تضحي بأعلى المخلوقات من اجل الحصول على أدنى المخلوقات ! وقد وقع ذلك كثيرا ، فإذا فقدنا الإنسان وحصلنا على المال ، فقد خسرنا الحرب . لان من يأخذ منك أرضك خير من أن يأخذ روحك ! فهل من خسارة أكبر من ذلك ، فأين النصر ؟؟ ، ولا أريد أن أطيل ، نعم لو كان ما تضحي من أجله أعظم من الإنسان فلا إشكال في ذلك ، وليس ثمة شيء أعظم من الإنسان في عالم المادي ، نعم هو موجود في عالم المعنى كالقيم السامية والاعتبارات العليا .

   أما الحسين ( عليه السلام ) فلم يكن ينظر إلى النصر بالمعنى الظاهري وعدمه ، بل لم يكن ذلك بحسابه أبدا . إنما كانت له أهداف أراد تحقيقها من هذه المعركة ، فأن حققها انتصر ، وان لم تتحقق فشِل .

   وكان تخطيطه من غريب التخطيط العسكري ، وهو الانتصار في الانكسار والانكسار في الانتصار !!. فجعل الحسين أهدافه يحققها له أعداءه من حيث لا يشعرون ! وذلك بإدخال هدفه لا مع أهداف أعداءه ، بل في أهدافهم فحققوا له ذلك . فأخذ ( عليه السلام )  كل الفوائد من المعركة ، وأخذ أعداءه كل الأضرار بالمعنى الواقعي الحقيقي . ولو كُشف للعباد التخطيط الدقيق الذي وضعه الحسين ( عليه السلام ) لأجل الوصول إلى هذه النتيجة ، لما تقبله العقلاء ! .

   فكل ما قدّم الحسين من تضحيات هي أقل من الثمرة بكثير الكثير . وبعدما حقق هدفه لا يضره إن قيل خسر المعركة أو انتصر أو غيرهما ، إنما كان ينظر إلى ما هو أعلى من ذلك ، فقل ما شئت .

   ومن جانب آخر ، كـانت قضيـة الحسـين هي المرحلة الأساسية لقيام المرحلة الثالثة واعني مرحلة الإمام الباقر ( عليه السلام ) فقد اعتمدت مرحلة الإمام الباقر اعتمـاداً كليـاً عـلى مرحلة الحسين ، فبانت من ثمار قضية الحسين في عصر الإمام الباقر أي في مرحلة تَحرُك العقل الإسلامي , وهذا هو الترابط التكاملي بين الأئمة ( عليهم  السلام ) .

    ويقــابل مرحلــة عصــر الإمام ( عليه السلام ) ، العالم البـاطني للإمـام , فـان لكل إمام عالَماً باطنياً تكاملياً يقابل العالم الظاهري. فكـان العـالَم البـاطني للحسين من أوسع العوالم الباطنية . وهذه العـوالم وجِـدت رحمـة مـن الحق وتتحقق بها شفاعتهم لأنها عوالم لأصحاب الاستعداد الواطئ .

    أي الـذي لا يسـتطيع المسـير المباشـر للحق , يدخل في عوالم الأئمة الباطنية , وان كانت ثمرتها اقل ولكـن هي مراحـل تطّـور , ولها مستوى من الكمال لا يستهان به .

   أما حقيقـة الحسـين ( عليه السلام ) فهـي من حقيقة الرسول بالتفصيل ، أي أن الحسين ومحمد حقيقة واحدة ، وكذا فاطمة والحسن حقيقـة واحدة , وعلي حقيقة واحدة , وكلهم حقيقة واحدة سلام الله وصلاته عليهم أجمعين , هذا عـلى مسـتوى من مستويات الحقيقة لان للحقيقة عدة مستويات في البواطن .  فمن أراد النظر إلى قضية الحسين فلينظر إلى كل جوانبها لا إلى جانب واحد .

( وله المنة أن جعل أولياءه معالم إرادته )






جديد قسم : فيوضات من الباطن

  1. كتاب من جواهر لايمكن المرور بها دون رؤيتها ولكن أين الباحثين ؟

    ردحذف
  2. أدامكم الله تعالى سيدنا

    ردحذف