سماحة الاب المربي الشيخ منتظر الخفاجي

التطهير

 الفعل والقول أو التصرف عموماً حينما يصدر من الانسان تارة يكون طاهراً فيكون له سلطان ويجد استقبالاً لما يواجهه ونفاذاً لما يمر به، وتارة أخرى يكون غير طاهر ويحمل من اللوث والأقذار المعنوية ما يجعله متوقف التأثير ومنعدم الاستقبال.

   والمتحكم بطهارة وقذارة الأفعال والتصرفات هي الاركان التي تصدر منها هذه الأفعال، وهي ثلاثة النفس والعقل والقلب، فإن طهُرت هذ الأركان طهر كامل كيان الانسان؛ بحيث يصبح كل ما يصدر منه طاهراً.

   وعلى ذلك يكون التطهير على ثلاث مراتب تصاعدية:

  المرتبة الأولى: وتكون بتطهير النفس؛ وذلك من خلال حدّ الشهوات وإزالة رذائل الاخلاق وغلق منابع الشوق للدواني من الصفات وتضييق إمكانية استقبال التفاهات. حينئذ ترتقي لذة النفس من سفاسف الاخلاق ودواني الشهوات الى عوالي المعاني وحميد الصفات وتتبدل أهوائها بالشوق للكمالات.

   المرتبة الثانية: وهي تطهير العقل. بطبيعة الحال فإن التعامل مع العقل أصعب من التعامل مع النفس وان توهم البعض غير ذلك. فتطهير العقل يبدأ بتغير زاوية نظره وتعديل درجة التفاته؛ فإن العقل ان التفت الى مدارك الأفكار الصالحة واستساغها -وان كان بمجاهدة ومشقة- فسوف يعرض عن الأفكار السيئة ويصبح لا يستسيغها؛ بل ويشمئز منها، ثم يعمد الى كل ركائزها فيعمل على ازالتها من ساحته، حينئذ يُمسي عقله محلاً صالحاً لنزول الأفكار العليا والتي تجذبه الى منبع عالم الأفكار.

      سوف يواجه المتطهر مزاحمات فكرية تحاول ارجاعه الى سابق عهده، لكن مع الإصرار وطرد الأفكار السيئة وقطع رُسل خواطرها سوف تضعف مقاومة الاعتياد الى ان تزول، فيمسي عقله محل لتجلي الأفكار الحقة الدافعة الى أعلى مراتب كمال العقل.

   المرتبة الثالثة: تطهير القلب، وهي أصعب تلك المراتب، حيث طبيعة القلب التقلبية وصعوبة السيطرة على ما يَرِدُ عليه، وسرعة تأثر القلب بما يدخل اليه من نوافذه أعني السمع والبصر، لكنه يبقى ممكناً لمن وجد الإرادة والعزم لذلك. وتكون بداية التطهير بإزالة شركاء الحق الذين سكنوا في حضرة القلب وانزلوا صاحبه الى أدنى مراتبه، وهذا يكون بقطع التعلقات القلبية بكل ما من شأنه الفساد والزوال. وبجعله محلاً لأنفاس الحق، فكلما قطع خيطاً من علائقه ربطه في ساحة الحق. فأن الاغيار هي نجاسات عالم القلب، فلا يسمح بدخول أي مُبعد عن غايته (وهي الطهارة الكلية) الى قلبه، وهذا يستلزم حراسة منافذ القلب.

   ثم ينظر الى ما في قلبه من مخزون، فما يجده جاذباً الى جهة الدنو والفساد يعمد الى قلعه من قلبه وذلك بغلق منابعه حتى يضمحل تدريجاً. حينها يصبح هذا القلب مسكناً للرحمن كما ورد في الحديث الشريف. فيكون وعاء للكشوفات الحقيقة والتجليات الربانية.

والحمد لله رب العالمين


منتظر الخفاجي



جديد قسم : مقالات

إرسال تعليق