ومضات تربوية
نظرة إلى الأذى


نظرة الى الأذى

   عندما يصاب المرء بأذى او مكروه غالباً ما يثير عنده الجزع والالم والغم وربما اتخاذ قرارات خاطئة نتيجة لضغط ذلك المصاب او النازل الذي يؤدي الى ارباك فكري، وأحيانا يكون هناك تفاعل سلبي مع الأذى، اي يكون هنالك تجاوب وانسياق مع الاثر الذي يولده الاذى فيأخذ بالتوسع في داخل الشخص مع وجود مغذيات نفسية وعاطفية وربما فكرية، حتى يبلغ مرتبة التمكن منه، فتظهر آثاره على الجسد على شكل أمراض مفاجئة.
   والقليل منا من تكون لديه القدرة على الحد من آثار ذلك الاذى او ايقافه عند مرتبة ما لوجود عقائد معينة يرتكز عليها او يلجأ اليها حين نزول النازل فيكون دورها التخفيف من الاذى او رؤية بعض جوانبه الخفية والتي لا تشبه الصورة الظاهرة له.
   السؤال هنا: هل بالإمكان توقيف الاثار السلبية للأذى؟ بمعنى اخر هل من الممكن تجريد الاذى او المكروه من الالم المصاحب له؟ قبل الاجابة يجب أن نقف على الجهات التي ينطوي عليها الفعل المؤذي او النازل المكروه، نعم نحن نرى الجهة الظاهرة للأفعال المؤذية وذلك لظهورها وتماسها للجانب الاقرب من شخصيتنا، والا فإن الاذى ينطوي على وجهين:
الاول: هو الاثر السلبي والمزعج والمؤلم الذي يخلفه لدى الفرد والذي يحاول الفرد تجنبه والهروب منه بأي صورة، وهذا ما جعل الانسان يكره الاذى لظهور الوجه القبيح منه.
اما الوجه الثاني: فهو ما يحمله الفعل المؤذي من فوائد ومصالح غير مرئية للإنسان من قبيل استنزال مراتب تحمل جديدة وصقل الشخصية والنقل من نظام الى اخر واختبار بعض الثوابت والمعتقدات وبيان نقاط ضعف الفرد وتغيير الالتفات الذهني او الكلي للفرد الى جهة مطلوبة وغيرها كثير، وقد يكون عطاء الفعل المكروه والمؤذي أكثر من أخذه لكن هيمنة الوجه الاول على بصيرة الانسان يجعله في عمى عن رؤية الوجه الثاني الا من استطاع ان يتجاوز ذلك الوجه الظاهر ولا يقف معه عندها سيبصر الوجه الثاني.
   الشيء الاخر ان رؤية او عدم رؤية الوجه الثاني يعتمد على ادراك مصدر الاذى، وهو السبب الاساس بل هو المرتكز لتقديم أحد الوجهين، فعندما نرى الاذى او المكروه صدر من انسان مبغض او حسود متعمداً للأذى حينئذ تزداد لدينا نسبة التألم وسوف تتوحد رؤيتنا بالوجه الاول ويتعذر علينا الولوج للوجه الثاني، لكن لو صدر نفس الفعل المؤذي من انسان لا نعرفه فإن نسبة الالم ستكون أقل من نسبة الالم التي سببها الاخ الحاقد ، نعم هنا قد نغفل عن الوجه الثاني وقد لا نغفل وانما نضعه في ساحة الامكان، لكن لو صدر الاذى من شخص محب وعاقل فإن نسبة التألم ستكون ضئيلة او معدومة وسوف يكون التفات للوجه الثاني لأن المحب العاقل يستحيل أن يؤذي من يُحب فلابد من وجود مصلحة لي هي التي دفعته لذلك الفعل، وحتى لو غفلتُ عن الوجه الثاني او بعض ما يحويه وتأثرت بمتولدات الوجه الاول وآثاره فسيكون تأثير فعله علي اقل وطئة، فربما أعاتبه أو أصفح عنه، لكني قبل ذلك سأفكر أن صاحبي محب لي وعاقل فمن المستبعد ان يصدر منه ما يريد منه إيلامي لذلك سوف اتجه تلقائياً الى محاولة رؤية الوجه الثاني ، ما المصلحة من فعله هذا؟.

   وعلى ما تقدم نفهم ان رؤية صدور الفعل المؤذي من شخص غير محب ولا ينظر الى مصلحتك من فعله هو المسبب للألم والحسرة والغضب وقد يدفعنا الى زيادة إيلام انفسنا من خلال التوسع الخيالي والتفاعل النفسي، وأما لو نظرنا ان الاذى صادر من محب عاقل، صادر ممن لا يرى الا مصلحتك، صادر ممن يلحظ فائدتك في كل فعل يصدر منه، صادر من الله جل جلاله هنالك سنحاول ان نبصر الجوانب الايجابية لذلك الفعل المؤلم في ظاهره لأننا نؤمن انه لا يخلو اي فعل من مشيئة الهية  {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[سورة الانسان اية -30] وبما ان الله سبحانه هو الخير المطلق فكل فعلٍ يحمل في طياته مشيئة خير مهما كان منبعه وصدوره.

   اذاً المشكلة التي تسبب لنا الالم هي داخلية وليست خارجية، لذلك تجد الفرد المتدين حقيقة وفعلياً أقل الناس تألماً وان كان اكثرهم مصائباً لأنه يرتكز على أسس صحيحة وثوابت سليمة واعتدال في زاوية النظر تجعله يبصر ما لا يبصره الاخرون.




جديد قسم : ومضات تربوية

إرسال تعليق