ومضات تربوية
المسلمون إلى أين؟


المسلمون .... إلى أين؟
   إن ما يجري الآن في البلاد الإسلامية، من صعود الإسلاميين الى دفة الحكم والتحكم، قد يراه البعض خطوة كبيرة على الطريق الصحيح لنشر الإسلام وتثبيته في النفوس، نعم، قد يكون هذا صحيحاً ومفرحاً من زاوية، لكن من ينظر بشمولية يرى زاوية أخرى مخيفة جداً، والتي تنشئ من عدم أهلية من يتصدى لهكذا مسؤولية.
   حيث أن الوصول الى السلطة العليا هو إزالة لأكثر الموانع التي تمنع الفرد من تحقيق أهدافه، فإن كان من يصل الى هذه السلطة من الإسلاميين المتعصبين لمذهبهم، فسوف تمثل له هذا الفسحة، داعية لظهور ما هو كامن في نفسه الى حيز الفعل والتطبيق. أي إن المعتقدات لدى كل طرف إسلامي تجاه الطرف الآخر التي كانت كامنة في صدره بسبب الحكومات الغير إسلامية، قد أُذن لها بالظهور على أرض الواقع. فما يراه السني المتشدد أو الشيعي المتشدد من انتشار لمعتقداته وتوحدها في الساحة لأنها الحق بنظره، فقد حصل الآن على المجال الكافي لتطبيقها، وإزالة كل عائق أو عقبة تمنعه من إقامتها.
   وعليه فإن انفساح المجال والحصول على القرار للمسلم المتعصب لمذهبه، الذي لا يرى الحق إلا بمذهبه ولا يرى الله إلا في جهته، هو نذير شؤم للمسلم المخالف له، إلا أن يَدّاركه الله سبحانه بعقبات تمنعه من ذلك.
   فحينئذ ترتقي مرتبة الفتنة من مستوى الأفراد إلى مستوى الدول، حيث يضحى الفرد المتعصب دولة وقوة كبيرة.
   إن ظهور من يؤجج نار التباغض بين المسلمين، بإظهار أحقية مذهبه ونقائص المذاهب الأخرى، فإنه بفعله هذا وإن كان يراه إظهارا للحق لكنه من جهة أخرى هو فتح لباب الحرب الكلامية والتي هي رفع لمستوى الأحقاد وإخراجها من الصدور إلى الألسن وليس بعد الألسن إلا الأيدي، لأن المجتمع المسلم هو مجتمعُ تعصبٍ على ملة الآباء وليس له إمكانية السمو لإتباع الحقيقة –أقلها في الوقت الحاضر-وعليه فكلما أظهر المتكلم أحقية مذهبه ونقائص المذهب الآخر زاد في مسافة التباعد بين مذاهب الإسلام، وقلص من احتمال التقارب بينها.
   إن تضييق المذهب وجعله لا يتسع إلا لأهله، هو رفع لحصانة المسلم الآخر، ورفع للمانع من سلبه وتهجيره وقتله، فليس بين التكفير والقتل إلا إرادة يسيرة وخطوة صغيرة.
   المسلم المتعصب لمذهبه إن تسلَّم سلطة الدولة، فسوف يكون هدفه الرئيس هو القضاء على المذاهب المخالفة له، والتي يراها مذاهبه فاسدة ومبتدعة في الدين، فمن واجبه الشرعي أن يُطهّر دينه من المفسدين، فيمسي القضاء على أخيه من أهم واجباته وأشرفها، وهذا ما عايشناه عياناً في بعض بلدان الإسلام. وبالتالي سيعمد هذا المتعصب إلى تطهير أرضه ودولته من كل من يخالف معتقده ومذهبه ومحو آثاره، وربما وقع شيء من ذلك في بعض البلدان العربية. ثم لن تتوقف المسألة عند هذا الحد، حيث المعروف أن من يسيطر على بلد يطمع بالتوسع، وهذا نابع من شهوة التوسع لدى الإنسان، فكيف إذا أضيف لها دافع ديني وواجب مقدس! فسوف يسعى إلى غزو البلاد المجاورة له التي تخالفه بالمعتقد، وتكون حرب جهادية مقدسة، وكل من الطرفين يرفع أسم الله تعالى في حربه ضد أخيه، فيقتل المسلم أخاه المسلم نصرة للإسلام! ويتعد العبد حدود الله إرضاءاً لله! .
   عندئذ سيكون المجتمع المسلم دولتين واقعاً وإن تعدد ظاهراً أعني دولة سنية وأخرى شيعية – وإن كانت صورة ذلك موجودة الآن لكنها ليست بالوضوح التام-.
   إن المرحلة الراهنة التي تعيشها البلدان الإسلامية هي مرحلة حرجة جداً، وإن لم يتوعَ رؤساء المجتمع وأصحاب القرار، فإن المقدمات التي نراها الآن من سوء الظن بين الطرفين والحرب الكلامية النامية والتناوشات الفردية الدموية، سوف توصل المجتمع المسلم إلى حرب شاملة لكل من يدعي الإسلام أو ينتسب إليه، وستكون كارثة كبرى على كل مذاهب الإسلام. ولا يستفيد من ذلك إلا أعداء كل مذاهب الإسلام.
   ولا يظن ظان إن سبب ذلك هو عدم سعة الإسلام، كلا... فإن هذا الدين هو من أوسع أديان السماء، وأن له القابلية لسعة كل المذاهب والطوائف وإن كثرت، وكل له مرتبته عند ربه. لكن سبب ذلك هم أهل الدين أنفسهم، حيث أراد الله لهم الإسلام ديناً يقود النفوس ولكنهم أرادوه ديناً تقوده النفوس.
   نسأل الله سبحانه أن يمنَ على المسلمين بالصحو من هذه الغفلة، وأن لا يسلب بقاؤهم بسلب هذا الدين منهم.




جديد قسم : ومضات تربوية

إرسال تعليق