النظرة الواقعية الأولى للاتصال بالحق في الظاهر والباطن

فيوضات من الباطن
النظرة الواقعية الأولى للاتصال بالحق في الظاهر والباطن


الباب الرابع عشر

النظرة الواقعية الأولى للاتصال بالحق في الظاهر والباطن

                                                             
    إن مـن طبيعة النفس الاتصال ، سواء بالداني أو العالي حيث  اكتسـاب كمالاتهـا عنه سواء كان اتصالها  داخلياً أو خارجياً .

   وهـذا واضح من خلال العلاقات النفسية بكل الأشياء حسب المسير النفسي المرسوم لها من قبل الإنسان ، بما له من إرادة جزئية ، لكي لا يكون على الله حجة بعد رسول الإرادة ، فتتكـون الصـلات النفسية . ولكن الغالب عليها ارتباطها بالأشياء السفلية حيث آمرية النفس .

   لهـذا قيَّـد الحـق الاتصـالات النفسـية بالقيود التكليفية , فأخذت النفس بتوجيه صلاتها نحو جهة السمو من خـلال المسـير على النهج التشريعي المرسوم لها ( طبعاً للملتزم بهذا المنهج ) , وهذا المسير بتفاوت حسـب قـوة وضعف القوى النفسية وسيطرتها على الإنسان , وبه ينتـج تفـاوت بكـل الطبقـات الظاهريـة سـواء الدانيــة أو العالية .

   فكـانت أنواع كثيرة من الصلات على عدد المقامات والمستويات والعوالم ، ومن ذلك :

   أولاً : الصلـة الوضعيـة . وهذه الصلة من وضع الإنسان نفسه سواء كـانت بالدنيـا أو غيرها من المستويات المعنوية الداخلة فيها أو المحيطـة بها . ومنها الصلة بالماديات أو المعنويات ذات العلاقـة بالماديـات وتكـون فـي هذا المستوى من إرادة النفس وبسـيطرتها , ثم تأخذ بتمتين هذه الصلة إن لم تجد رادع لـذلك , فيدخـل الإنسان في عمق الدنيا حتى يعمى بصره وتصم أُذنه ويضـل قلبـه , فعند ذلك يكون الانسلاخ الكلي من الصلات ذات التكـامل التصاعدي للإنسان , والإرادة موجودة لدى الإنسان ولكـنها تكـون ضعيفـة , وقد تأخذ بالضعف حتى تتحول إلى الجانب الآخر وهو يعلم بذلك !. فتنقطع كل الصلات ذات التأثير التأسيسي للتكامل الصحيح , وتبقى أو تتولى صلات ذات تأثير عالي تسافلي وهكذا , فيكون ذلك مصيره .

   والجانب الآخر من هذه الصلة . هو الاتصال مع العالم العِلوي بالنسبة لذلك العالم أي الذي هو كائن فيه , ويكون اتصالاً متبادلاً في بعض الأشياء ذات التأثير في تكامل صلته لكي يصل إلى العمق المطلوب . ومن ذلك الصلة الظاهريـة فهي من الصلات الوضعية واعني الاتصال بالحق من جهـة الاعتقاد والأفعال الظاهرية , كالاعتقاد بالعدالة الإلهية أو الرحمة أو العطاء . وكذلك من جهة العبادة كالصلاة والصوم والحـج وغيرها فان هذه الاعتقادات والأفعال هي صلات بالحق من حـيث هو يريـد . وتكـون هـذه الصـلات عـلى حسب الصفاء القلبي والتمكين النفسـي عـلى الـرغم مـن شمول النظام لكل مسلم إن كانت صِلات الإسلام .

   ولكن واقع الصلـة هـو ليس الفعـل , لأننا نرى أن بعض الأعمال العبادية تتحـول إلى صلة تطبعية لخلوها من الانفعال النفسي والانعقاد القلبـي . لذلك يكون تفاوت بقوة هذه الصلات , فربما إنسان قليل العبـادة تكون له صلة وطيدة بالحق , وآخر كثير العبادة وليس لـه إلا صـورة الصلـة بالحق ! , إنما المدار هو واقـع الصلـة ، وليس للعلـم دخـل في مدى قوة الصلة فرُبّ جاهل تكون له من الصلة بالحق أكبر مما للعالم ، هذا إذا لم يكن العلم له تسبيب في ذلك واعني العلم الظاهري , ففي أكثر الأحيان تحجب بعض العلوم عن الاتصال بالحق , وان كان بالعلم ذكر للحق فيكون بشكل غير مباشر وهو أكيدا اقل من المباشر , واختيار الجانب الأقل يعود لتحقيق رغبة نفسية , أو للضعف حسب ما تبين .

   لهذا نرى تفـاوتاً حتى فـي العبـادة الواحـدة ، فلربمـا إنسان صائم وهو يحُس بـالتقصير مع صومه , وآخر جازع من الصوم وآخر يرى أن له الفضـل والمنة على الله في صومه ! وآخر فرِحٌ بصومه , وكثير هو التفـاوت في ذلك . فكـل هـذا لـه اعتبار لدى الحق ولا تستوي الظلمات والنور بل كل يأخذ استحقاقه من إرادته وفعله .

   ثانياً : الصلة التطبّعية . وجوهرها ، أن يتصل الإنسان مع اللـه تعالى بصلـة قـد تَطَبـّع عليهـا سـواء كـانت عبادة فعلية أو اعتقاديـة .

   وطبيعة التطبّع تكون في البدء من رؤية الصورة ثم إما أن تتحـقق تلـك الصورة ويُعرَض عليها اليقين المطلوب , أو تبقـى صورة كما هي بمعنى صورة وهمية مجردة عن الحقيقة , أي مجردة عن اليقين الذي يقيم الحقيقة في عالم الوهم .

   فـترى إن أكثر أصحاب العبـادة الظاهريـة عبـادتهم لا تتجـاوز حـد التطبـّع عليهـا . أي كـالذي اعتـاد على فعل معين تراه ملتزم به ، لكـن الدافع لذلك هو التطبع سواء استفاد من الفعل أو لـم يسـتفد . فيكون أصحاب هـذا النـوع مـن الصلات هكذا ، والواقع أن ليست هناك أي صلة إنما صلتهم بالفعل المجرد عن الانتسـاب إلى الحـق , وهـذا يكثر لدى أصحاب الغفلة  فتكون عبـادتهم بـالنظرة الـواقعية هي عبارة عن نوع من أنواع المجاراة النفسية . لأننا نعرف إن النفس إذا اعتادت على شيء أرادت استمراريته , وهـذه العبادة هي من هذا النوع .

   ومن المؤسف أن أقول : إن واقع هذه العبادة هي عبادة للنفس لا للحق , وهذا هـو الإشراك بعينه . وسبب هذا الانتقال أي من العبادة الصحيحة المطلوبـة إلى العبادة التطبعية , هو الاستقرار, إذ أن الإنسان إذا اسـتقر عـلى مسـتوى مـن مسـتويات الصلة كالعبادة فسوف يبقى فـي ذلـك المستوى فيكون عمله تطبّعاً ويذهب الجوهر إن كـان هنـالك جـوهر فـي الأول , حيث إن { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [ يونس : ٤٩] ثم بعد التوقف يكون التسافل , والتسافل يكون في جوانب أخرى طبعاً ثم ينتقل إلى هذا الجانب .

   ثالثـاً : الصلـة التكوينيـة . وهـي اتصـال الخـلق بالحق بصلة التكـوين , وهـي صلة عامة لان الخلق مرتبطون بالحق في دائرة الوجـود مـن جهـة المبدأ والمعاد بالأجل , وهذا يشمل المؤمن والكافر .

   وهذه الصلة هي ليست مقياس للاتصال بالحق إنما هـي صلـة عـامـة , وهي المنطلق والدليل لإيجاد صلات اكبر وأعمق . والبقاء على هذه الصلة لا يجدي نفعاً ، لان خـلق الخـلق يقتضي ذلك ، ولولا هذه الصلة لم يكن مـن وجود لأي خلق ، لان الحياة والقدرة والعلم والإرادة تنبع من هذه الصلة .

   وينتج من هذه الصلة , الذكر الكلي , حيث انه مرتبة من مراتب الذكر الأولى وهو الذكـر بـالوجود , فيذكر المخلوق خالقه بوجـوده , والوجـود هـو ذكـر لصفـات الحق .

   فكـيفما يكون المخـلوق فـي سـلوكه فهـو ذاكـر للحق , فالكافر والمؤمن هنا سـواء , أما التفـريق فيكـون بمـا فوق ذلـك , وهنا تحققت العدالة الأولى .

   وهذه الصلات كلها لا تؤدي إلى أي مستوى من مستويات الغايـة، لان الصلة لا تتحقق بالرحمة الابتدائية فقط . إنما الصلة الحقيقية هي أن تصل إلى أعلى من الصلات الظاهرية جميعـا , وهـذا لا يتحـقق إلا بالباطن وأولى مراتبها في قوله جل ذكره : { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ }  [العنكبوت : ٤٥] هذه الآية هي مقياس للصلة الحقة , أي إن من لا تنهاه صلته بالحق عن فعل الفحشاء والمنكر , فلا خير فيها . لا بل لا تعتبر صلة إطلاقاً سواء أكانت صلاة أو صوم أو غيرها , حتى لو كان يتعبد ليله ونهاره !! إنما المراد من الصلة أن يكون لها من التأثير ما يمنع الإنسان من أن يعصي من اتصل به .

    أما الاتصال المطلوب بالحق , هو أن لا تنقطع الصلة بالحق إطلاقا، أي يكـون لدى الإنسان رؤية للحق أو حضور الهي أو غيبة عن النظر بعين الخلق , وهذه توّلِـد أموراً منها الحياء من الحق ، أو الهيبة ، أو الخوف أو الأنس على حسب مستوى المريد فإنها كلها تحجب عن ارتكاب أي معصية , لا بـل تـوصل إلى قطع الهم بالمعصية ! ، لان من يقف أمام الحاكم تسـقط لديـه كـل الأمور التي تحجبه عنه , ومـن يواجهه حبيبه يزهَد بكل ما هو دونه , فعندها تكون طبيعة الصلاة هكذا ، وليس تكليفا .

   أما أن الإنسان يتصل بالحق في ثلاث أوقات أو خمسة ، وخلال دقائق فهذا مشكل حيث اتصالـه بملبسه أكثر من اتصاله بربه ! وربه يقول : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } [النساء : ١٠٣] أي عنـد انتهـائكم من العبادة الظاهرية المتحققة بهـذه الأفعال الجسـدية فـاذكروا اللـه بكل الصور والإشكال ولا تتقيـدوا بوقت معين أو صورة معينة , ولا تقتصروا على تلكم اللحظات . وليس هذا فقط ! بل هناك غيره وهو أعلى من ذلك إذ يقول جل ذكره : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ٩٤) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [آل عمران : ١٩١-  ١٩٥] أي لا يريدنا الحق أن نتوقف عند عبادة معينة , إنما أراد ويريد الاستمرار , لأنك إذا توقفت عند مستوى من مستويات العبادة , تعني بذلك أن هذه العبادة هي نهاية استحقاق الحـق , وبعبارة اصح إن هذا هو نهاية الحق , وهذا باطل .

   ويجدر بنا أن نقف وقفه مع الآية التالية الذكر , عسى أن يفتح الحق لنا منها فتحاً مبيناً .

   اعلم وفقنا الله وإياك لخدمته : أن التفكر مرحلة لاحقة وأعلى كمالاً من مرحلة الذكر غير المقيّد , والذكر هنا ليس المقصود به على هذه الأوضاع المزبورة بعينها , إنما أراد الحق ذكر العبد في كل الأوضاع والأحوال في الأكل والشرب والجوع والعطش والفرح والحزن والغضب واليأس والخوف والطمع والحب والعطف والحياء وغيرها من الأحوال ، بل حتى في النوم ! على تفصيل سنبينه في باب الذكر( إن أراد الحق ذلك ) . وان كان التفكر على نحو ما يعتبر ذكرا . وقد أشار الحق في الآية إلى نتيجة التفكر الدالة على التفكر المطلوب { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا } أي يصل في تفكّره إلى النتيجة التي من اجلها خلقت السماوات والأرض . وليس هذا فقط بل { سُبْحَانَكَ } أي إن هذا التفكر يوجب تنزيه الحق وتعظيمه, وهذا مستفاد من سبحانك الدالة على وصول أولئك المتفكرين بعد الذاكرين إلى مستوى من مستويات معرفة الحق سبحانه . وهذا منهج عرفاني للوصول إلى معرفة الحق جل ذكره . وبعد هذا المستوى من التفكر المذكور , يطلب الإنسان سد النقائص التي كُشفت له بوصوله لتلك المعرفة والفيض الإلهي . لان الإنسان عندما تُكشف له معرفة ما يُكشف له نقيضها اعني معرفة نفسه . والطلب هو { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران : ١٩١] والنار هنا هي نار الحرمان من العطاء الإلهي المعنوي المتحقق من الصلة , فوجود النار هي قطع الصلة بين الإنسان وربه .

   والنتيجة هي { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [آل عمران : ١٩٥] .

   أي إن طلبهم لم يكن بالدعاء اللساني أو الطلب القلبي , بل كان طلباً فعليـاً , فإنهم أقدموا على أفعال تحول دون دخول نار الحرمان , وكان طلبهم بهذه الأفعال , لهذا كان قوله : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ } ولم يكن { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } فحسب , لأنه لو قالها دون الثانية لتوهم الناس إن طلبهم كان بالقول والرجاء دون الفعل . فاستحقوا بفعلهم أن يستجيب لهم ربهم .

   ولو انقطع الفعل فسوف تنقطع الإجابة , لان الصلة على هذه المرتبة مشروطة بالفعل , والفعل له دور في إعطاء سعةً باطنية للإجابة , أي انه يوسِّع باطن الإنسان وعندها لابد من نزول العطاء المطلوب.

   واعلم إن أصحاب هذه الآية هم في درجة الإبرار لا أكثر , ولم يصلوا إلى درجة المقربين .

   وهنا لطيفة ربما يستحسن ذكرها ، في قوله : { رَبُّهُمْ } , إذ أنه   ( تقدست حكمته ) لم يقل ربكم إنما قال { رَبُّهُمْ } ، وحسب فهمي أن ربهم هو الذي وصلوا إلى معرفته , لأنهم يعرفون الله لا كما يعرفه الناس , فكلمهم الله من ذلك المستوى الذي عرفوه به ، وهذا من لطائف القرآن.

   إذن لاستمرارية الصلـة وعـدم انقطاعها يجب أن يكون الذكر الثاني أعظم من الأول ، والحق أحق أن نتصل به أكثر مـن كل شيء . وبما أننا نقول أن الحق في كل شيء فيجب أن نتصـل به من كل شيء ، حيث لا عظيم ولا حقير على الحقيقة بما إن الله في كل شيء ، بل من استحقر شيء ظلم نفسه , ولا يستحقرنَّ شيئا إلا الأعمى الذي يرى الشيء ولا يرى الحق معه أو فيه .

   ومـن أساليب الاتصـال بالحق هو الذكر الباطني والتفكر ، وهما يصلحان لكل المسـتويات مـن حـيث وسـعهما ، فيسـتطيع الإنسان أن يذكر الحق بـالذكر الظـاهري كـالقرآن أو المناجاة أو التسبيح وغيرها ، فتكـون ممـراً للدخـول للذكر المطلـوب , وان كـان في البدء باللسـان , ولكـن اللسـان يوصل إلى القلب . فالذكر مع وجود الإرادة للحـق يعطي الذكر الباطني دون قيد بذكرٍ ما ، سواء كان منصوصـا أو لم يُنص عليه . فله أن يتوسع في ذلك وان يزيد في ذكره, والمستحبات لا تحصى .

   أما تمتين الصلة بالحق , فهي من الضروريات الملازمة للإنسان وخاصة طالب الكمال ، ويكون مبدئها من أمور بسيطة منها :

   أولاً : المعرفة ، فالعبادة الظاهرية إذا أقيمت على الوجه الصحيح أنتجت معرفة , وهذه المعرفة تؤهل الإنسان لاتصاله بالحق أكثر من ذلك , ثم يكشف له الحق ما هو أعلى وهكذا ، وكما يقول الرسول الأعظم : ( من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يكن يعلم ) .

   ثانياً : اليقين ، فعندما يعرف الإنسان أو يكشف له شيء من المعرفة وان كـانت بسيطة وجب اليقين بها لأن اليقين هو الدافع للعمـل أما إذا أهمل الإنسان ، فسوف يؤدي ذلك إلى سلب آخِر مراتب يقينه .

   ثالثـاً : التجـرد ، فهناك أمور يتعلق بها الإنسان تمنعه من تمتيـن صلتـه بالحق فمن تجرد منها وجد الفراغ القلبي لتقبّل الاتصال بالحق , وإلاّ ليس من اتصال حقيقي مع وجود حب الدنيا , ولكن التجرد تدريجي وأقله تجرد الالتفات .

   ومن خلال توثيق الصلة وتمتينها يكون الأخذ من الحق . حـتى يصـل الإنسان إلى درجة من القرب تنصهر بها تلك الصلة .

   أما عدم الاتصال فهو الموت .

   وقد ورد عن أهل بيت العصمة عندما سئل ، ما هو الموت ؟. 

   قال : ( أن لا تكون بينك وبين الله صلة أنت صانعها )

   والحق غني عن الإنسان , والإنسان هو المحتاج , والمفروض أن المحتاج هو الذي يبدأ لاتصال . فإذا كـانت هنالك صلة بين العبد وربه استلزمت الأخذ والعطاء . وعدم الأخذ من الحق معنـاه أن ليس هنـالك صلة بالحق , فمن اتصل بالكريم اخذ من كرمـه شيئاً .

   وكل من ليس له صلة بالحق فليعلم أن ثمة خطأ في مسيره وان كان يرى من ظاهره غير ذلك . 

( وله الحمد أن فتح بابه لمريديه )






جديد قسم : فيوضات من الباطن

إرسال تعليق