المجتمع العراقي والازمة الثقافية |
المجتمع العراقي والازمة الثقافية
خلال العشر سنوات الماضية فقد المجتمع العراقي الكثير من رصيده الثقافي والفكري، وفقد كماً كبيرا من ثوابته الأخلاقية التي كانت متجسدة في عاداته وتعاملاته وتصرفاته، حتى أصبحت الصبغة الغالبة اليوم على المجتمع هي الصبغة العسكرية والسياسية الضحلة، وذابت القيم الأخرى.
قد يكون السبب الأكبر في ذلك هي الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها المجتمع العراقي، من حروب متسلسلة وتغيرات سياسية عشوائية ومطبات اقتصادية مفاجئة تجذب المجتمع الى الاتجاهات التي تميل اليها.
لكن هذا ليس مبرراً لكي نفقد قيمنا الوجودية التي نتميز بها عن بقية الموجودات، ولا دافعاً للابتعاد عن المرتبة العقلية المخصصة للإنسان، وننزل الى مرتبة الموجود الأدنى من جهة الصفات والتصرفات.
فقيمة كل مجتمع هو بكمية وعمق المفاهيم العليا التي يحملها، وهذه المفاهيم هي المعيار لضبط وتقنين بقية جوانب المجتمع.
ان تغيير اتجاه القوى الثقافية والفكرية للاضطلاع بمهام ليست من ضمن اعمالها هو من وضْع الشيء في غير موضعه، فالمؤسسة الثقافية والإعلامية الحكومية وغير الحكومية حين تتوجه بكامل وجهها للعمل السياسي او الاعلام الحربي لهو خسران كبير للمورد الثقافي والفكري.
فالمفروض ان لا تزحف الاحداث السياسية والعسكرية على الجانب الثقافي والفكري، وتحرف اتجاهه، وتجعل منه أداة محددة بعمل واحد ومرتبة واحدة، بل يجب بقاء المؤسسات التوعوية والتربوية محافظة على أُطر عملها مع مساوقة الاحداث الطارئة واعطائها ما يلزم بالمقدار المناسب، دون الادبار التام عن تكليفها العام، فكما ان الحرب التي تمر بها البلاد هي حرب عسكرية، فهي في عين الوقت حرب فكرية وثقافية، بل في الواقع هي حرب فكرية وما الجانب العسكري منها الا وسيلة من وسائلها المتعددة.
ان اهمال الجانب الثقافي لدى المجتمع مع التغيرات المستمرة سيؤدي الى الابتعاد الكامل عن هذا الجانب ومن ثمَّ استبداله بجانب يقتل لدينا الرغبة في التكامل الثقافي، جانبٌ نلتقطه من قارعة طريق نزولنا الفكري.
فينبغي أن تكون هنا وقفة نرى من خلالها الأبعاد الحقيقية لتأثير النزول الثقافي، وما يولد من تغييرات في الشخصية العراقية على كل الأصعدة الحياتية والتعاملية.
ومن هنا ينبغي ان تتظافر جهود كل الجهات والافراد الذين يشعرون بأهمية القوة الثقافية، وخاصة الجهات المختصة كوزارة الثقافية والاعلام والتخطيط والاوقاف، والمؤسسات الدينية ومن هي بمرتبتها؛ أن تتوجه للمعركة الثقافية والفكرية وتعمل على التصاعد بالمستوى الثقافي، وتحصي الاضرار الثقافية والفكرية التي اصابت المجتمع خلال المرحلة الاستثنائية، وتبدأ بالمعالجات ووضع الخطط والبرامج للصعود بالمستوى الفكري للمجتمع، على اقل تقدير ارجاعه الى المرتبة التي نزل منها.
وكذلك بما ان الحرب العسكرية وضعت اوزارها فلدينا كماً هائلاً من الافراد، كالحشود الشعبية والاجنحة العسكرية للقيادات الحزبية والدينية التي بإمكاننا تسخير طاقاتها للحرب الفكرية. لكن ينبغي أولاً ان يهيئ هؤلاء الافراد فكريا وثقافيا وتُنرع من عقولهم صورة اللباس العسكري، حينها سيكون لدينا جهاز فكري له القابلية على الارتقاء بالعقل العراقي وايصاله الى تلك النقطة التي خسرها بإهماله لهذا الجانب.
كذلك نرجو من أصحاب الفكر وأرباب الأقلام والكوادر التعليمية والتربوية ان يركزوا ويوجهوا أنظارهم الى هذا الجانب المهم، ونترك ساحة القتال لأهل الاختصاص وساحة الوعي لأهل التوعية. ولا يكون لضغط الاغراء تأثيراً بحيث يجعل العاقل يخلع ثوبه ويرتدي ثوب غيره. وشكراً.
تعليقات: 0
إرسال تعليق