قواعد الايمان من بين يدي القرآن
قاعدة التبديل


قاعدة التبديل

     المدرك: قوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان : ٧٠].

    المفهوم: إن ما ذكرناه في قاعدة المحو يبين جانباً من جوانب الرحمة الإلهية بمرتبة من مراتبها المتصورة بإزالة ومحو الحسنة للسيئة في سجل الإثبات المشتمل على الكتاب والحفظة والجوارح وغيرها. أما بالنسبة لقاعدة التبديل. فيتبين من خلالها شيء من عمق الرحمة الإلهية وخطوة من صفة الكرم الإلهي، فلا تقتصر على الغفران وإزالة الأثر إنما تتعداه إلى تبدل السيئات إلى حسنات. وبغض النظر عن المقدمات المؤدية إلى تلك العملية فهو باب فُتح برحمة الله تعالى للمبادلة فمن خلال ولوجه يستطيع الإنسان أن يبدل سيئاته وفسوقه وتعديه الحدود الإلهية يبدلها إلى حسنات وثواب ورصيد أخروي، يبدل السخط إلى رضوان!. فهو مجال للتدارك والتغيير. أي إن الذنب مهما كان عميقاً وقديماً، بفعلٍ ما يتغير هذا الذنب الدارس إلى حسنة وتأخذ مجراها في نظام الإنسان وتعطي ما تعطي الحسنات. فهذه القاعدة تعطي الإنسان السلطة للتحكم في ما سلف من أفعاله. وهذا من غرائب الكرم الإلهي إذ جعل به القدرة على تغيير الماضي، فالذنب الذي ارتكبه الإنسان المفروض اخذ قراره وأعطى ما تعطي الذنوب أما بلحظة ما يتغير هذا الفعل القديم إلى ضده ويعطي ما تعطي أضداده وكأنه لم يكن. فهذا من غرائب مننه سبحانه.

     التطبيق: من المقدمات التي جعلها الحق تعالى لقضية التبديل، هي التوبة والإيمان والعمل الصالح حسب الآية وان كانت هناك أسباب أخرى تؤدي كذلك إلى التبديل لكن ما يهمنا الآن عطاء الآية. وهذه المقدمات على التفصيل هي:

     المقدمة الأولى: التوبة: وكما هي معرفة أركانها ترك السوء والندم عليه وعدم العود إليه فيكون بذلك وضع الإنسان القدم الأولى وهي قطع استمرار الذنب أو قطع امتداده المستقبلي.

     المقدمة الثانية: هي الإيمان: والإيمان هنا ليس المقصود منه الإيمان العام أي الإيمان بالله والرسول والكتاب، وإنما المقصود من الإيمان هو الثاني وهو إيمان ما بعد التوبة لان الأول حاصل، والذي تقتضي التوبة الدخول فيه والتزام مفرداته. أي إنه اعتقد بملازمات التوبة. لان؛ إيمان ما قبل التوبة هو مستوى ضعيف من الإيمان لا يصمد أمام المغريات أو البلايا أو غيرها فالتوبة مع البقاء على المستوى الأول من الإيمان يكون سبباً سهلا ً لخرق التوبة والعودة إلى الذنب وهذا ما يشكو منه الكثير من الناس. أما الحصانة من العودة أي انتهاء الضغط النفسي المؤدي إلى العودة فتكون بالمستوى الثاني من الإيمان المتنزل من التغيير الذي أحدثه التائب.

    المقدمة الثالثة: وهي العمل الصالح. اعلم: إن مكانة العمل الصالح من هذه المسألة هي منزلة القفل أي قفل باب المستوى القديم الداعي إلى ملابسة ذلك الذنب. فالعمل الصالح يكون به الإنسان قد دخل مرتبة جديدة من مراتب الإيمان معايشةً دون الرجوع إلى المرتبة السابقة. هنالك يستحق بكرم وجهه تعالى أن يغلق الحق باب ذلك الذنب فيبدله بحسنة تكون مساعدة له في مستواه الجديد.

     وهذا التبديل يشمل كل المعاصي إذ جيء بمقدماتها. عندئذ ينبغي للفرد الذي بدل الله سيئاته حسنات أن يتيقن من هذا التبديل وان لا يحتجب بالنظر إلى تلك السيئات بل تعد رؤيتها بعد تبديلها تكذيب لله تعالى في ما قاله، وسوء ظن بما التزمه، وهو الذي اخذ على نفسه أن من جاء بهذه المقدمات سيبدل سيئاته حسنات، فينبغي أن لا يشكك ولا يتردد إنما الله فعال لما يريد ولا يبدل القول لديه وهو الغفور الرحيم.

     والتبديل لا يقتصر على إزالة السيئة فحسب بل وإزالة كل جوانبها ومنها العلم بتلك السيئة لمن اطلع عليها أي إن الله تعالى سيستر تلك السيئة المُبدّلة فلا يعلم إنها كانت سيئة وما هي تلك السيئة إلا الله تعالى وذلك المسيء التائب، قال الإمام الصادق  ( عليه السلام ): (( أوحى الله عز وجل إلى داوود النبي ( عليه السلام ): يا داوود إن عبدي المؤمن إذا أذنب ذنباً ثم رجع وتاب من ذلك الذنب واستحيى مني عند ذكره، غفرت له وأنسيته الحفظة وأبدلته الحسنة ولا أبالي وأنا ارحم الراحمين)) [ ميزان الحكمة / حديث ٢١٨٥ ] وليس فقط الحفظة بل الخلق كلهم قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): (( ..... وأُمِرت جوارحه أن تستر عليه، وبقاع الأرض أن تكتم عليه، وأُنسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه )) [ ميزان الحكمة / حديث ٢١٨٣ ]. وكذلك جاء في الأثر (فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب).

    فيجب على المؤمن أن يعي هذه القاعدة وهذا الباب الذي فتحه الحق تعالى لطفاً بعباده وأنْ يعمل بهذه القاعدة ليرى من خلالها العطاء الإلهي المنصوص وغير المنصوص.





جديد قسم : قواعد الايمان من بين يدي القرآن

إرسال تعليق